يظهر الاهتمام المتزايد باللامساواة الاقتصادية كمشكلة محورية تؤثر في استدامة التنمية واستقرار المجتمعات. إن تقليل هذه الفجوات يتطلب تبني سياسات اقتصادية واجتماعية فاعلة، تستهدف تحسين فرص الوصول والتمكين للجميع؛ من أجل تحقيق توزيع أكثر عدالة للفرص والموارد في المجتمع.
أنا على علم بأنه لا يوجد هناك قوة خارقة تملك القدرة على تحويل فقراء العالم إلى أغنياء دفعة واحدة وزيادة ثروة الأغنياء في نفس الوقت، ولكنني على علم أيضا أن “اللامساواة الاقتصادية” هي المسؤول المباشر عن تراجع متوسط العمر المتوقع وضعف نظام التعليم وتفاقم حالات عدم الاستقرار السياسي. كما أُرجِح دورها في زيادة معدلات الانتحار المرتبطة بالمشاكل الصحية النفسية وارتفاع معدلات جرائم القتل.
تشير “اللامساواة الاقتصادية” إلى التفاوت في التوزيع الاقتصادي للدخل والثروة بين الأفراد والمجموعات في مجتمع ما. تتضمن هذه التفاوتات الفروق في الدخل، الثروة، الفرص الاقتصادية، وحتى وصول الأفراد إلى الخدمات والموارد الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية. وتظهر نتائجها في العوامل الاقتصادية المختلفة مثل التوظيف، الأجور، الاستثمارات، الضرائب والسياسات الاقتصادية.
أكاد أجزم بأن أغلب حالات البطالة في العالم سببها “اللامساواة الاقتصادية”، وذلك من خلال قلة الوصول إلى الفرص الاقتصادية، ففي المجتمعات ذات اللامساواة العالية، قد يكون الوصول إلى الفرص الاقتصادية والوظائف الجيدة أمرًا صعبًا للأفراد من الطبقات الاقتصادية الضعيفة، وهو ما يقود إلى زيادة معدلات البطالة بين هذه الفئات. وفي المجتمعات ذات اللامساواة الاقتصادية، قد يكون هناك اختلاف كبير في مستويات الأجور بين الأفراد. قد يؤدي هذا إلى زيادة الضغط على الأجور منخفضة الدخل وتدهور شروط العمل. كما يظهر أثرها في التأثير في توجهات نقل الوظائف إلى المناطق ذات التكاليف المنخفضة، وبالتالي زيادة التأثيرات النفسية والاجتماعية السلبية، والإحساس بالمزيد من الإحباط والتوتر النفسي، وزيادة الجريمة وانعدام الاستقرار.
وهنا، أود الإشارة إلى أثر “اللامساواة الاقتصادية” على الاقتصاد والاستدامة الاقتصادية، ويتمثل ذلك في تقليل معدلات النمو الاقتصادي، وتقليل الاستثمار، وزيادة في الاضطرابات الاجتماعية، وتقليل في فرص التعلم والتطوير، جنبا إلى جنب مع التقليل في الطموح والمبادرة، فيمكن أن تقلل اللامساواة من الدوافع للعمل الجاد والابتكار، حيث يمكن للأفراد أن يشعروا بعدم القدرة على تحقيق النجاح الاقتصادي بنفس القدر مقارنةً بالأفراد من الطبقات الأعلى.
تعتبر مكافحة اللامساواة الاقتصادية من الأهداف الرئيسة للعديد من الحكومات والمنظمات الدولية في جميع أنحاء العالم، وتكمن مكافحتها من خلال العديد من السياسات والإجراءات التي يمكن اتخاذها مثل: إيجاد الاستثمارات القوية في التعليم والتي تسهم في تمكين الأفراد وتوفير فرص متساوية للجميع، جنبا إلى جنب مع تعزيز السياسات الضريبية العادلة وتطبيقها بطريقة فعالة وعادلة للتقليل من التفاوت في توزيع الثروة. كما يتوجب توجيه الاستثمار نحو القطاعات الأساسية التي تشغل دورًا مهمًا في تحقيق التنمية المستدامة، مثل الصناعات الزراعية والصناعية. ويساهم تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في ضمان توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة. كما يجب الأخذ في الاعتبار ضرورة استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تساهم في تحفيز نمو الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة، جنبا إلى جنب مع تطوير البنية التحتية.