العدد 5686
الخميس 09 مايو 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
السخافة في طريق مفتوح.. إغراق الفضاء بالهراء
الخميس 09 مايو 2024

يتعمد الصديق من حين لآخر إرسال بعض الفيديوهات المهزلة لمنتحلي صفة شعراء، مجرد هراء في هراء، وذلك من باب الفكاهة والتنفيس على النفس من قسوة الحياة وهمومها.

وكنت في البداية أجد في هذا الهراء ما يدفع للضحك، تماما مثل النكت (البايخة) السمجة، لكن مع تكرر هذا (الهراء) وإمعان أصحابه في إزعاج الجائلين في الفضاء الإلكتروني بكل وقاحة، تحول هذا الهراء إلى مصدر للغضب الشديد، وإلى أحد مصادر الاكتئاب في هذا الزمن الذي نموت فيه كل يوم أكثر من مرة. العجيب فيما يلاحظ أن أمثال هؤلاء المهرجين تمادوا في الاعتداء على الذوق العام، بالإكثار من الهراء، حتى بتنا نحسب أنهم اقتنعوا فعلا بأنهم شعراء، لذلك زادت جرعة السخافة والتفاهة والبلادة عندهم إلى درجة أنهم أصبحوا ينتجون يوميا المزيد والمزيد، تماديا في إغراق الفضاء بالهراء، بإخراجه صوريا وعمل خلفيات موسيقية له لجذب المزيد من المشاهدين أو المستمعين.

إن هذه الظاهرة الجديدة تنضم إلى العديد من الظواهر الانتحالية الأخرى مثل انتحال صفات الطبيب والصيدلي والمهندس والمرشد النفسي والخبير الرياضي والغذائي وغيرها من أبواب الدجل بأشكال وألوان مختلفة، ولذلك قد يكون الحل الوحيد لعزل هؤلاء المهرجين هو عدم منحهم فرصة المتابعة، أي مقاطعتهم جملة وتفصيلا، وذلك لأن أسوأ ما في هذه التفاهة أنها تتبدى كل يوم في هذا الكم الهائل من الهراء الذي يخنقنا، بالرغم من أنها تبقى خارج نهر الحياة الحقيقية المتدفقة عبر مياهه الصافية، وبالرغم من أننا نعلم أنها مجرد هباءات لا تأثير لها في جوهر الحياة، ولا مكان لها في الأمل القادم، مهما ساءت أوضاعنا. ولله في خلقه شؤون.

همس:
للكاتب الصحافي الفرنسي كلود جوليان، في مقاله المنشور في صحيفة لوموند ديبلوماتيك بعنوان: "واجب التقليل من الاحترام"، جاء فيه أن "الكاتب الحقيقي بات يفضل الهروب من الوصولية والتفاهة إلى الانعزال بعيداً عن الضجيج الذي يشوّش الرؤية والعقل ويشل التفكير، في هذا العالم السكران باهتياجه، فلا تزال فعالية العزلة والتأمل حاضرة في عالمنا رغم فساده وتفاهته".

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية