العدد 5683
الإثنين 06 مايو 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
تعلم الديمقراطية تعلُّمًا (2)
الإثنين 06 مايو 2024

إذا أردنا أن نعلم الأجيال الجديدة الديمقراطية، ماهيةً وسلوكاً وحتميةً، يقتضي ذلك تعليمهم أن السّمة الأكثر تعبيرًا عن طبيعة الديمقراطية هي الحرية ضمن القانون، والتعددية ضمن القانون، وأن التحديث المجتمعي شراكة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.

وبالتالي فإن هذا التحديث يفترض أن يشكل بمجموعه سقفاً مشتركا بين جميع هذه القوى، خصوصا عندما يكون العمل الديمقراطي لا يزال في بداياته، ما يستوجب أن ينهض على أساس برنامج وطني مشترك لا يدخل ضمن التجاذبات والسجالات المشتتة في هذه المرحلة التأسيسية، يشمل: احترام الثوابت الوطنية وإعلاء شأن الحرية والتعددية والشفافية وحقوق الإنسان بسقف القانون ورفض العنف بكل أشكاله.


كما أننا إذا وقفنا على المجال البرامجي المشترك لدى مختلف القوى السياسية وجدناه يتمركز حول التمسّك بمكاسب الدولة العصرية ومنظومة الحقوق المدنية المعززة بإنجازات على الأرض، لذلك تصبح العلاقة محكومة بالشراكة داخل منظومة مرجعية، (وهي هنا ميثاق العمل الوطني الذي أجمع عليه المجتمع)، والذي يفترض أن تجري حوله التحالفات بين القوى الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تعمل على تعزيز الدولة الحداثية المستنيرة والعادلة.. وهذا يفضي بالضرورة إلى الانفتاح في العمل السياسي، وتحصين الجبهة الداخلية وهذا سوف يعزز لدى الأجيال الجديدة الفهم الدقيق للاستحقاق السياسي وأولويته بين مختلف الأطراف العقلانية التي تنظر إلى السياسة على أساس أنها فن الممكن، بما يعزز إطار العمل الوطني ضمن القواسم المشتركة، في ظل التوازنات التي أنتجتها دولة الحداثة.

بما في ذلك القناعة بأن العلمانية هي وسيلة للاعتراف بالآخر وحقه في الوجود والعمل والمشاركة والتعبير عن الهوية (دينية أو ثقافية أو عرقية)، وهي مظلة يعيش تحتها المواطنون بوصفهم أحرارا متساوين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم وانتماءاتهم الحزبية والاجتماعية والفكرية. ومثلما أن الحرية حق والديمقراطية أداة ووسيلة للاجتماع البشري، فالعلمانية  ضرورة، لأن الدولة بطبيعتها ملك للجميع ومن أجل الجميع.


وهذا جميعه يتوجب أن تتشربه الأجيال الجديدة، لتدرك أهمية الشراكة داخل الاختلاف، لإنجاح التجربة الديمقراطية. وهذا يستدعي إجرائيا جملة من الشروط أهمها الاحترام المتبادل، والاحتكام المتبادل للقانون، والمساواة في الفرص بين العناصر المشكلة للنسيج المجتمعي، حتى وإن اختلفت زوايا نظرها للقضايا العامة وأساليب إدارتها ومباشرة حلّها، وهو أمر ليس ببعيد المنال.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .