العدد 5679
الخميس 02 مايو 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
تعلّم الديمقراطية تعلمًّا (1)
الخميس 02 مايو 2024

المفكر والسياسي الفرنسي جاك ديلور الذي أسهم في تشكيل معالم أوروبا المعاصرة وبناء الاتحاد الأوروبي، قدم إلى منظمة اليونسكو في منتصف تسعينيات القرن الماضي، التقرير العالمي الشهير (التعلم ذلك الكنز المكنون) والذي أشرف عليه ضمن اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن الحادي والعشرين، وشارك في إعداده عدد كبير من الخبراء الدوليين بإشراف ديلور.
وبالرغم من أن هذا التقرير صدر في العام 1996م (أي قبل نحو 3 عقود) فإنه لا يزال وثيقة مرجعية جوهرية، لا غنى عنها لأي جهد تطويري للتعليم ضمن أفق إنساني حداثي ديمقراطي، لتضمنه المبادئ التوجيهية الأساسية الصالحة للعيش في القرن الحادي والعشرين، خصوصا ما يتعلق بالتعلم مدى الحياة في سبيل تحقيق التقدم وربط التعلم بالحياة ليكون جزءًا من حياة الفرد والمجتمع والعمل والعيش معا، وغير ذلك من العناصر التي تضمنها هذا التقرير. لكن أكثر ما يلفت الانتباه في تقديري، ونحتاج إلى تفعيله هو كيفية ضمان انخراط الأجيال الجديدة ضمن ما يسميه ديلور بالتعلم من أجل السلام انطلاقا من القناعة بأن الحروب تنشأ في العقول قبل أن تتحول إلى حروب فعلية على الأرض.. فالتعبئة المبرمجة في شكل دروس أو محاضرات أو توجيهات تكون أساس تعلم الديمقراطية، تنمية الإنسان وبناء شخصيته وجعله يتمثل القيم المشتركة التي تشكل وعيه بالفردية والمجتمع والمواطنة، وتدربه على ممارسة الديمقراطية بأبعادها المختلفة، وأن يتمسك بالمواطنة المتساوية كمعيار وحيد للجدارة، وقناعته بالعيش المشترك وتقبل التنوع والاختلاف، ضمن الغايات الوطنية والإنسانية التي تحقق إنسانية الإنسان واستقراره ووجوده. فالتربية تجمع ولا تفرق، توحد ولا تشتت، تزود كل فرد بالقدرة على المشاركة بإيمان وقناعة وحماس في مشروع البناء المجتمعي للوطن. حيث تتجاوز المشاركة الإطار السياسي، لتشمل كل الأطر الأخرى. فكل عضو يضطلع بمسؤولية تجاه الآخرين، بتعريفه بحقوقه وواجباته، وتنمية كفاءته الاجتماعية وضميره الأخلاقي. 
وحماية استقلال هذا الضمير منذ الطفولة ومدى الحياة، بما يعزز قدرته النقدية التي تبني فكرا حراً ومستقلاً. فتكون التربية المرشد على طريق طويل يلزم فيه التوفيق بين ممارسة الحقوق والقيام بالمسؤوليات المجتمعية. بما يعزز التوازن بين حرية الفرد والضوابط والحدود التي يرسمها المجتمع والقانون، وهذا باب لتحصين الجبهة الداخلية وبناء إجماع وطني ضمن روح الحوار المحكوم بالآليات التي أنتجتها دولة الحداثة، بما يبعد الناس عن الابتذال والتهريج والسخافة والتنابز وكل الممارسات والتصريحات غير المسؤولة. وللحديث صلة.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .