العدد 5535
الأحد 10 ديسمبر 2023
banner
الصراع التكنولوجي الصيني الأميركي
الأحد 10 ديسمبر 2023

الحرب التكنولوجية بين الصين وأميركا هي في الواقع حرب باردة جديدة في ساحة معركة حديثة، ليظفر المنتصر بها بالهيمنة العالمية في قطاع يدعم كل جانب من جوانب حياتنا المعاصرة. لقد تحدثت سابقًا عن هذه الحرب وكيف تتخذ أميركا خطوات جذرية لإخضاع نظرائها الصينيين، حيث تحاول الولايات المتحدة منع وصول الصين إلى تصميم أشباه الموصلات وملكيتها الفكرية وتكنولوجيا تصنيعها، فضلاً عن استبعادها من شبكات توريد أشباه الموصلات المهمة مثل تحالف Chip 4.

تبرير الولايات المتحدة لتبني مثل هذا المخطط المتشدد هو أن التكنولوجيا الصينية تخضع لسيطرة الدولة، لا بل تحت سيطرة الجيش الصيني. هذا يعني أن التكنولوجيا الصينية تعمل كحصان طروادة، مما يسمح للسلطات الصينية بالانخراط في التجسس على الدول الأخرى من خلال توفير منتجات التكنولوجيا المخترقة التي يتم استخدامها على مستوى العالم. كان هذا هو التبرير للقرارات الصارمة تجاه هواوي التي هددت صناعة الاتصالات الأميركية بمنتجاتها المتطورة التابعة لتكنولوجيا الجيل الخامس. أدى ذلك إلى سلسلة من الاعتقالات والاتهامات بالتجسس التي تبدو غير مقنعة في أحسن الأحوال، وتستند إلى أدلة ظرفية؛ للحد من انتشار هواوي  بشكل أكبر على الأراضي الأميركية.

يبدو أن هذه الحجة مليئة بالمعايير المزدوجة، حيث تبنت الولايات المتحدة نفس النهج الذي تتهم به الصين، ولسنوات عديدة بوجود صلة قوية بين الاستخدام العسكري والمدني للتكنولوجيا، مع إصدار الجيش نفسه للعديد من الابتكارات التكنولوجية. والجدير بالذكر أن هذا يشمل الإنترنت، وتكنولوجيا التصوير، وتتبع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والرادار، والأقمار الصناعية، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وعدد كبير من الابتكارات التكنولوجية الأخرى التي وجدت طريقها إلى المجال العام، وكلها يمكن أن تُنسب إلى الجيش. 

يبدو أن مثل هذا التدخل من الولايات المتحدة غير مقبول للآخرين. فمن يمكنه أن يجزم أن التكنولوجيا الصادرة عن الولايات المتحدة ليست مشكوك بنواياها وقدراتها؟

لا نعرف إلى متى يمكن للولايات المتحدة أن تتبنى مثل هذه الاستراتيجية المعتمدة على السيطرة على الشبكات الدولية وسلاسل التوريد والاتحادات الأخرى مع الاستمرار في إلقاء اللوم على الصين.

تعاني الولايات المتحدة من هجرة المواهب التكنولوجية مع تواجد قيادات ضعيفة في مجال التطور التكنولوجي. 

كما انخفض البحث والتطوير الممول اتحاديًا إلى 0.7 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، مقارنة بـ 1.9 % في عام 1964. ووفقًا للبنك الدولي، كانت الصين من ناحية أخرى تنفق 0.89 % من الناتج المحلي الإجمالي على البحث والتطوير في عام 2000، وقفزت النسبة إلى 2.4 % في عام 2020. وتعطي الصين أيضًا درجات دكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أكثر من الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى ابتكارات تكنولوجية أكبر عددا. 

تحتاج الولايات المتحدة إلى المزيد من الاستثمار في البحث والتطوير التكنولوجي إذا أرادت النجاة من حرب التكنولوجيا. كما تحتاج إلى المزيد من المواهب المحلية، وتوسيع إنتاج الابتكارات التكنولوجية على أرضها، وتكثيف جهودها حقًا؛ لأنها قد تخلفت عن الركب.

أما الصين، فتمتلك كميات هائلة من البيانات التي تمنحها اليد العليا في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي أصبحت بسرعة التكنولوجيا المطلوبة في جميع القطاعات، لاسيما مع الإصدار الأخير لتطبيق الذكاء الاصطناعي ChatGPT، والذي يُظهر للجمهور أول مرة ما يمكن للذكاء الاصطناعي القيام به وتدرك الصين الضعف الذي تعاني منه في قطاع أشباه الموصلات، وقد بدأت بالفعل في سد الفجوات من خلال الاستثمار بكثافة في البدائل المحلية.

كذلك تلعب الصين لعبة التكنولوجيا طويلة الأمد، وليس هناك ما يضمن نجاح الولايات المتحدة إذا استمرت في هجماتها قصيرة المدى على قطاع التكنولوجيا الصيني بالطريقة التي كانت تمارسها على مدار السنوات السابقة. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية