العدد 5695
السبت 18 مايو 2024
banner
احمد عبدالله الحسين
احمد عبدالله الحسين
خربشة ومغزى.. "لامية العجم.. من قصائد أشتهرت وأنتشرت"
الأحد 05 مايو 2024

 المُتتبع للأدب والشعر العربي تستوقفه تراث اللاميات وهي كثيرة ومتنوعة وعلى مر العصور. منها ما أشتهر وأنتشر. وبعضها أختزن عيون الشعر وفرائد وحِكم. وأسم اللامية مأخوذ من قافية القصيدة التي تنتهي باللام في عجز بيت الشعر. إذ بيت الشعر يتكون من صدر أي قسمه الأول وعجز قسمه الثاني، وآخر حرف يسمى في العجز حرف الروي، وهو الذي قد تسمى به القصيدة، ولذلك اللامية حرفها اللام. كمثل بيت كعب بن زهير؛ 
بَانَتْ ‌سُعَادُ، فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبُولُ
مُتيَّمٌ إثرَها، لَمْ يُفْدَ، مَكْبولُ
واللاميات منها ما ذاع خبره وتناقله الشعراء والأدباء كمثل لامية أبن الوردي، لامية العرب، ولامية العجم، لامية كعب بن زهير، لامية امرؤ القيس. وللذكر صحيفة البلاد فيما سبق نشرت عن لامية العرب ولامية أبن الوردي.

لامية العجم شاعرها أبي إسماعيل الحسين الاصبهاني والمُلقب بالطُّغْرائي نسبة لكتابته الطُّغْراء، وهي الطرة(الكليشة)التي يُكتب فيها أسم السلطان والحاكم وعادة ما تكون في أعلى البسملة في الخطابات، وتتزين بخط الديواني الجلي. والطُّغْراء كلمة أعجمية محرفة من الطرة. ولامية العجم تضم 59 بيت لها مندوحة محاكاة بلامية العرب، ولعل في ذلك رفع لشأنها حتى تأخذ صفة العموم. والعجم هم الفُرْس مقصود اللامية. ولعل التسمية لها مغزى تباري للامية العرب التي تتزين بمكارم الأخلاق وابتعاد عن رخو الكلام. والمعروف أن لامية العرب أشتهر خبرها ولعصور تلت حفلت باهتمام عرب ومستشرقين وشُراح وترجمات لعديد لغات. شاعر لامية العرب هو  عمرو بن مالك الأزدي الملقب بالشنفري ويعني عظيم الشفتين. ولاميته 68 بيت. قال عمر بن الخطاب عنها"علّموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق".

الطُّغْرائي تميز بالكتابة والإنشاء وخط الطُّغْراء في ديوان ولاية السلاجقة بالموصل، ثم أرتحل إلى بغداد عام 505هـ فكتب قصيدته المشهورة لامية العجم؛ وفيها إعتزاز وطموح وما يراه من تغير الأحوال في زمانه. اللامية أكتنزت الفصيح من اللفظ الجاذب  للسمع والحفظ، يتناغم بانسجام، وفي معانيها تنزه باهي، تراه لوحة ريشتها خطت قيم وحِكم وأمثال. وهي عصارة وتلوي تجربة، حتى قيل أنها أرتقت لتضاهي لامية العرب. والتالي مطلع أبياتها؛ 
أصالةُ الرأي صانتْنِي عن الخَطَلِ
وحِليةُ الفضلِ زانتني لدَى العَطَلِ
مجدي أخيراً ومجدِي أوّلاً شَرَعٌ
والشمسُ رأْدُ الضُحَى كالشمسِ في الطَفَلِ
أراد الشاعر قول؛ أن سداد الرأي حاصل لحكمة حفظته من كلِّ معيب. وأن الفضل والوقار الذي يحمله بين الناس مُصان من رديئ السلوك والذمامة. وأن التحلي بالأخلاق عنده يُلازم صفاته. وما هو في معنى المجد والشرف فيه هو فخر وأعتزاز، ولا فرق بينهما إن كانا في أول الزمان أو في آخره، مثل الشمس التي إن سطعت في أول النهار أو في آخره تبقى مصدر النور للعالم أجمع.

هكذا يستمر الطّغْرائي في لاميته حتى يقول؛
يرضى الذليلِ بخفضِ العيشِ مسكنهُ
والعِزُّ عندَ رسيمِ الأينُقِ الذُلُلِ
فادرأ بها في نحورِ البِيد جافلةً
معارضاتٍ مثاني اللُّجمِ بالجُدَلِ
وهنا يصف حال الذليل الذي يرضى بالعيش بمصاحبة أقران أذلاء. ولمن أراد العز فعليه بالترحالِ والأسفار، وهذا يكون حين تأخذ الإبل وتخوض في الصحاري، وتتحكم باللجام الذي يربط الإبل والخيل كما تشاء، وتذهب إلى مكانٍ يكونُ فيه خيرٌ ورفعة.

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان عن الطُّغْرائي؛ إنه كان غزير الفضل، لطيف الطبع، فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر. 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .