العدد 5490
الخميس 26 أكتوبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
سُقوط السّرديات!
الخميس 26 أكتوبر 2023

أظهرت المواجهة الدائرة حاليا بين إسرائيل وفلسطينيي غزة إصرارا إسرائيليا - مدعوما من الغرب بشكل فجٍّ - على تصفية القضية الفلسطينية بالإبادة الجماعية والتهجير، تحت عنوان الحق في الدفاع عن النفس. وهي واحدة من السرديات التي انكشفت بعد التدمير المنهجي لأسس الحياة في غزّة، لتضاف إلى السرديات الأخرى التي قامت على حساب الشعب الفلسطيني منذ 1948 وحتى اليوم.


لقد أسقطت هذه المواجهة سردية الدفاع عن النفس، بعد أن تبين أن القوات الإسرائيلية لا تفعل شيئا إلا قتل المدنيين وتدمير الأحياء السكنية والخدمات التي تؤمن الحد الأدنى من أسس الحياة لأكثر من مليوني مواطن فلسطيني، مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والجسور والطرقات.

كما أن العديد من تلك السرديات الإسرائيلية (ويمكن العودة إلى كتاب المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي: “عشر خرافات عن إسرائيل” - 2017) قد تم تفصيلها على نحو موضوعي، ويمكن أن نتوقف هنا عند ثلاثٍ منها لارتباطها بالوضع الراهن: أولا: سردية “فلسطين أرض بلا شعب”: وهي خرافة يكذبها التاريخ القديم والوسيط والمعاصر، حيث إن فلسطين كانت موجودة دائما كدولة منذ العصر الروماني، لكن منذ القرن السابع الميلادي ارتبط وجودها بالعالم العربي - الإسلامي. كما أن السجلات العثمانية للتعداد السُّكاني لفلسطين في العام 1878، تؤكد أن اليهود لم يشكلوا سوى نسبة 3 % فقط من سكان فلسطين وقتها. كما أن يهود فلسطين الرومانية لم يغادروا أرضهم (كما تدعي السردية)، بما يلغي فكرة العودة إلى أرض الميعاد. ثانيا: “التسوية بين الصهيونية واليهودية”، وهي السردية التي يعاد ترويجها هذه الأيام (آخر من تحدث عنها السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة السيدة نيكي هايلي)، بل واعتبار من يعادي الصهيونية عدًّوا للسامية، وهذا أيضا من الأساطير التي لا تمثل الديانة اليهودية في شيء. 

ثالثا: سردية أن “الفلسطينيين باعوا أرضهم أو تركوها طوعا في العام 1948م”: ويعلم القاصي والدَّاني أن العصابات الصهيونية هي التي تخلصّت من عدد كبير من السكان الأصليين بالإبادة الجماعية والتهجير القسري، كما يتكرر اليوم في غزة المحاصرة.


إن مثل هذه السرديات المضللة هي التي شكَّلت الخلفية الآيديولوجية للحروب والمواجهات والظلم الذي حلّ بالفلسطينيين. ولا تزال إسرائيل إلى اليوم مصرّة على فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني وتهجيره، من دون أي أفق للحل السلمي العادل البديل عن تلك السرديات، بما يمكن الجميع من الحياة في أمن وسلام.


* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .