العدد 5245
الخميس 23 فبراير 2023
banner
مجـرد رأي كمال الذيب
كمال الذيب
التلقي واتساع نطاق التفاهة
الخميس 23 فبراير 2023

تؤشر أرقام نسب القراءة في الوطن العربي إلى الضعف، مقارنة مع الأقاليم والبلدان الأخرى، ولا نحتاج في هذا السياق إلى مقارنة أنفسنا بالدول الغربية عامة، ولا حتى بالصين والهند وكوبا فجميعها أفضل حال منا بكثير.


 إسبانيا على سبيل المثال فقط، تنشر سنويا 45 ألف عنوان للكتب في المجالات المختلفة، في حين لا يزيد هذا الرقم في الوطن العربي عن 3500 كتاب بحسب إحصائية تقرير التنمية البشرية العربية الأخير.


والأمر هنا لا يقتصر على النشر فقط، بل يشمل التوزيع أيضا، فبعض الكتب قد تصل نسبة توزيعها في الدول المتقدمة إلى عشرات ومئات الملايين بطبعاتها المتعددةِ، في حين أن أفضل الإصدارات العربية الجديدة لا تزيد نسبة توزيعها عن بضعة آلاف في أحسن الأحوال، لذلك فمن الطبيعي أن تكون نسب القراءة متدنية.


والذين يعيدون تراجع هذه النسبة إلى الطفرة الرقمية التي أدَّت إلى التحول في آليات المعرفة وأساليب التَّلقي، نحيلهم إلى حقيقة أن الغرب، وهو الأكثر تطوراً يبقى الأكثر إنتاجًا للكتاب الورقي. بل والأكثر في نسب القراءة.
عندنا المشكلة مركبة، فهناك أمية أبجدية حقيقية ومرتفعة، وهناك جهل مركب، وهناك فقر مركب.

فإذا صدقنا أرقام اليونسكو، فإنَّ نسبة الأمية الأبجدية في البلاد العربية تقارب 30 % (إحصائية 2018م). وعندنا أيضاً إشكاليات طباعة الكتاب وتوزيعه وسعره، وهي معوقات حقيقية، وهناك تراجع في إسهامات الدولة العربية في دعم الكتاب، طباعةً ونشراً وتوزيعاً.. نتيجة انحسار الدور الثقافي الرسمي، في ظل إعادة جدولة الأولويات والعولمة الزاحفة.


وثمَّةَ أيضا تراجع في دور المؤسسات التربوية في الاهتمام بالكتاب وبالمطالعة بوجه عام. كذلك طغيان ثقافة الصورة وثقافة الاستهلاك، وتراجع سلطة المكتوب، وتردي مكانة التلقي الثقافي إجمالا.

وتراجع استجابة المطبوع لاحتياجات النّاس الفكرية والثقافية. واتساع نطاق التفاهة المنشورة، والتي لا تحمل قيمة، نتيجة ضعف الموهبة، وكذلك غربة بعض المكتوب وابتعاده عن القيم الجماعية وغرقه في الذاتية المفرطة والهامشية وحتى المظهرية الادعائية. وهي من أشد أسباب إعراض المتلقين عن التلقي.


*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .