تساءل الدكتور محمد جابر الأنصاري، في أحد حواراته المنشورة في صحيفة الحياة اللندنية: “لماذا، نحن كعرب ومسلمين، ينتابنا شعورٌ بأننا مختلفون عن بقيةِ خلقِ الله، ولا ينطبق علينا ما ينطبق عليهم”؟

وفي إجابته عن هذا التساؤل قال الأنصاري: “إنها سننٌ كونيةٌ لن نجد لها تبديلاً ولا تحويلاً، من اليابان إلى اليمن، ومن الصين إلى المغرب، ومن الهند إلى مصر، نحن لا نختلف عن الشعوب الأخرى”.

دفعتني إلى استحضار هذه الملاحظةِ فوضى مقاربات البعض بشأن عدد من المفاهيم، مثل الحرية والمسؤولية ومدنية الدولة والديمقراطية والمواطنة أو غيرها من العناوين التي أصبحت كونية في لفظها ومعناها، ومن ذلك مفهوم المواطنة المتساوية، كعنوان لمدنية الدولةِ، ولأية ديمقراطية حقيقية، كما يعيشها الناسُ في العالم المتقدِّمِ. فهي أساس أي نظام يرومُ الحريةَ والاستقرار والنماء والتعايش، إلا أننا واجدون من يقترح علينا حلولا بديلة استنادا إلى اعتقاد باستحالة تحقيق المواطنة المتساوية، لذلك يعمدون إلى تخويف الناس من أن يكونوا مواطنين أحرارا، يتمتعون بحرية فكرهم وحريةِ اختيارهم الفردي.

إنهم يَخافون “المواطنة”، لأنهم لا يرون المجتمع والسياسة إلا من خلال نوافذ فئويةٍ، تكرِّسُ مصالحَهم الضيِّقةَ، نوافذ محصَّنةٍ ضدَّ “دولة المواطنة”، التي تساوي بينهم وبين جميع أفراد المجتمع، فتتقلصُ مصالحُهم التي يُقاتلون من أجلها ولذلك هم في الغالب حريصون على تزييف وعي الناس لتكريس الصورة التي يرغبون في زرعها في العقول.

والمشكلة تظهر عندما يبدأ المجتمعُ في التَّعبير عن نفسه بالهويات الفئويةِ، فيجري زجّ المجتمعِ في نفق من الانقسامات التي لا فكاك منها. نتيجة غياب أو التشكك في قاعدة المساواة بين المواطنين على أساس هويتهم الوطنيةِ بالدرجة الأولى في ظل تكريسِ الفئويةِ فكرًا وممارسةً المفضية إلى الإفلاسِ الفكريِّ والسياسيِّ.

إن نسقَ القيم الذي نشأ ونما مع بروز الشعور الوطنيِّ والقوميِّ والإنسانيِّ، في تعبيراته المدنية الحديثة، يتعرض إلى نوعٍ من التصدُّع المؤدي في الغالبِ إلى عدمِ القُدرة على رؤية الأشياء على حقيقتها، نتيجة انفصال المعرفةِ عن الأخلاقِ وعن قضايا الناس والمجتمع وعن العقل.

* كاتب وإعلامي بحريني