العدد 5238
الخميس 16 فبراير 2023
banner
مجـرد رأي كمال الذيب
كمال الذيب
حاجتُنا إلى الدَّرسِ الفلسفيِّ.. تنميةُ الإنسانيّ في الإنسان وإيقاظُ وعيهِ
الخميس 16 فبراير 2023

كثيرًا ما نتحدثُ عن المخاطر النَّاجمةِ عن التَّطرف والتَّشدّدِ وغيابِ التّسامحِ والعقلانية في الفِكر والسُّلوك معًا، لكننا عند البحثِ عن الحلولِ نظلُّ ندورُ في فلكِ التبريريةِ، ونحمِّلُ السياسةَ مسؤوليةَ كلِّ شيءٍ تقريبًا، بعيداً عن قضايا الفكر التي أساسُهَا الفلسفة والتي تكادُ تغيبُ عن حياتِنا الاجتماعيةِ ومؤسساتنا التربويةِ والثَّقافيةِ، مع أن الحريةَ مرتبطةٌ بمشكلةِ الإنسانِ ومدى قدرتِه على التّحكمِ في مصيرِهِ بإدارتِهِ وقدرتِهِ على تغييرِ العالمِ من حولهِ.
والسؤال هو: لماذا لا نزالُ نخاف من الفلسفةِ؟ ولماذا نغيِّبها عن حياتنا؟ ولماذا يتم تصويرُها على أنها مرادفةٌ للهذيان والكلامِ الذي لا طائلَ من ورائِهِ؟ مع أنها كانت تحتلُّ مكانةً رفيعةً في تراثنا العربي - الإسلاميِّ.
لقد علَّمونا أنَّ الفلسفةَ كما علم الكلامِ خوضٌ في متاهاتٍ، ومجادلةٌ في الدَّين، ومهاتراتٌ بين الفرقِ، فأصبحا منبوذيْن عند الخائفين من إعمالِ الفكرِ، يستوي في ذلك أبو حامد الغزالي في “تهافت الفلاسفة” وسيد قطب في “التصّور الإسلاميُّ”. إذ كفّرَ الأولُ الفلاسفةَ، ودعا الثاني إلى إلغاءِ الفلسفةِ وكلِّ مباحثِ علمِ الكلام. ولم تجدِ محاولةُ ابن رشد في درء وصمة “الكفر”، وهو يحاول التأسيسَ لعقلانيةٍ إسلاميةٍ.
إن الفكرَ الفلسفيَّ - بالرُّغم من طابعهِ المعقدِّ - قد جاء َاستجابةً للتَّطلعات في مرحلة النهوضِ الحضاريِّ للأمةِ، من خلالِ القوى المستنيرة المدافعة عن حريةِ الإنسانِ والمؤمنة بقدرته على الخلق والإبداعِ، في مواجهةِ القوى المتشبثة بالجبريةِ والحرفيةِ المعاديةِ للحداثةِ والانفتاحِ.
لقد أدركتْ معظمُ الشُّعوب – ومنها عدد متزايدٌ من الدول العربيةِ، بأن أفضلَ طريقةٍ لمواجهةِ الحرفيةِ والتَّطرفِ تتمثلُ في فتح البابِ أمام الأجيالِ الجديدةِ للتشبعِ بالفلسفة، بما يدرِّبُ على طرحِ الأسئلةِ – وهي في الفلسفةِ أهم من الأجوبةِ - وتعزيزِ القُدرةِ على مواجهةِ التَّطرف والتكفير والعنفِ، مادام الهدفُ الأساسيُّ للمؤسساتِ التَّربويةِ والثقافيةِ والشبابيةِ هو تنميةُ ما هو إنسانيّ في الإنسان، وإيقاظ وعيهِ، وتنمية شخصيّته، وتعزيز قيمهِ الرُّوحيةِ والأخلاقيةِ، بما يؤهله إلى القبول بالآراء المختلفةِ، ويجعلهُ قادراً على التعبير المنظم عن قضايا العصر وحلّ المشكلاتِ والاستدلال واستخدام المعارفِ وفقَ ما تقتضيهُ المعالجةُ بإقامةِ الدليلِ. وللحديث صلةٌ.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية