إن لحظة الميثاق بوهجها ومضامينها وآليات العمل الوطني التي وسمتها، في تاريخ البحرين المعاصر، السياسي والثقافي والاجتماعي، تُذكر بلحظة مضيئة أخرى في معناها ومبناها، هي لحظة التَّثبيت القانوني الأممي لعروبة البحرين واستقلالها كدولة ذات سيادة بهويتها العربية، ومبايعة آل خليفة كحكام لهذا البلد العربي الخليجي، عندما عبَّرت “الأغلبية السَّاحقة من شعب البحرين عن رغبتها وقناعتها الثابتة بأن تنال الاعتراف بذاتيتها ضمن دولة عربية مستقلة حرة ذات سيادة، تقرر بنفسها مصيرها.. كما جاء في ملخص التقرير الذي صوَّت عليه مجلس الأمن، وتمَّ من خلاله وضع حدٍّ للمزاعم المجافية للتاريخ والجغرافيا والهوية الحقيقية للشعب.
ولا يخفى الشَّبه بين اللحظتين التاريخيتين: فالأولى ثبَّتت الهويةَ والاستقلال والشَّرعيةَ، والثَّانية أرست بتوافق وطني يقترب من الإجماع المشروع المجتمعي الإصلاحي الديمقراطي، الذي يحتضن الجميع، ويشارك فيه الجميع. لذلك عندما جاءت لحظة الميثاق كانت البحرين قد تمكّنت من تطوير مجتمع مدنيٍّ متطورٍ، يمتلكُ وعيًا متقدِّمًا، يعيشُ في دولةٍ مدنيةٍ عصرية مستقرةٍ نسبيًّا، تزخر بتعايشٍ إنسانيِّ فريدٍ وبتسامح راسخٍ، وانفتاح فكري واجتماعي ملموسٍ. وهذه العناصر شكلت في مجموعها أسسَ انطلاق مشروعها التحديثي للتجدّد والديمقراطية في ظل الملكية الدستورية الإصلاحيةِ.
ومن هنا كانت التجربة الإصلاحية غنيةً بالنتائج والثِّمار الطيبة، بالرغم من الظلال التي تركتها الأحداث المؤسفة في 2011م والتي عصفت بالمجتمع.
إلا أن البحرين وهي تحتفل اليوم بذكرى الميثاق، بإمكانها استعادة الأملِ للمضي نحو المزيد من الإصلاح الذي أصبح شرطًا أساسيًا من شروط الاستقرار والتَّنمية، وتجاوز أسباب التجاذب، بالتخلي عن الخطاب الآيديولوجي الذي لا يساعد على تشخيص الأوضاع بصورة موضوعية. ولذلك لا مناص من العمل جديًّا على استعادة الحوار الوطني باستمرارٍ، لتجنيد الطاقات لمواجهة التحديات. خصوصا في ظلِّ الخطوات والإجراءات المعزّزة للثِّقة التي تم اتخاذها خلال الفترة الماضية، والتي عزَّزت العملَ ضمن فريق وطنيٍّ تشاركي، مع الانفتاح الدائم على التطوير والحوار ومناقشة الإصلاح بأبعاده المختلفة، وكل ما يرتبط بمصالح المواطنين العاجلة والآجلة. ولذلك سيبقى الميثاق اللحظة الجامعة والمرجعية على الدّوام.

كاتب وإعلامي بحريني