+A
A-

البحرين فقدت جميع عيون مياهها الطبيعية

تقليل فواقد إمداد المياه سيؤدي إلى مكاسب مالية واقتصادية وبيئية

البحرين من أوائل الدول التي حققت الأهداف العالمية لمياه الشرب

 

أكد أستاذ إدارة الموارد المائية بجامعة الخليج العربي وليد زباري أن مملكة البحرين فقدت جميع عيونها الطبيعية البرية والبحرية التي كانت تعتمد على المياه الجوفية.

وذكر أن مع نضوب المياه الجوفية وانخفاض مستوياتها المائية فقدت عيون البحرين الطبيعية العديد من الأنظمة الإيكولوجية المحيطة بها، إضافة إلى المعالم التاريخية، وفقدت الفرص الاستثمارية السياحية من هذه العيون.

وأشار في حديث خاص مع “البلاد” إلى أن المياه الجوفية هي المياه الطبيعية الوحيدة التي تمتلكها مملكة البحرين، ولكنها ناضبة وتمر بتدهور في كميتها ونوعيتها.

ولفت إلى أن ذلك أدى إلى لجوء المملكة منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي إلى عمليات التحلية؛ لتلبية متطلبات مياه الشرب، مما يترتب عليه تحمل المملكة تكاليف مالية واقتصادية وبيئية أعلى بكثير من المياه الجوفية، ولجأت كذلك مملكة البحرين إلى مياه الصرف الصحي المعالجة. 

وبين أن نسبة المياه العذبة في المياه الجوفية في مملكة البحرين لا تتعدى أكثر من 10 % من الحجم الكلي للمياه الجوفية، وأنها تتركز في شريط ساحلي ضيق موجود في المناطق الشمالية الغربية من مملكة البحرين.

وفيما يلي نص اللقاء:

 

كيف تقرأون أوضاع المياه العذبة في البحرين في الوقت الراهن؟

إن جميع دول العالم تعاني حاليا من المشاكل والتحديات المائية؛ بسبب ثبات كمية المياه المتاحة من جهة والزيادة المستمرة في الطلب على المياه؛ بسبب النمو السكاني وتغير أنماط الاستهلاك.

وتبرز هذه المشكلة بوضوح في دول المجلس الواقعة في أكثر مناطق العالم جفافا، مما يدفعها للجوء إلى الموارد المائية غير التقليدية كتحلية مياه البحر، وبدرجات أقل لمياه الصرف الصحي المعالجة لتلبية الطلب المتنامي على المياه.

ومشكلة الندرة المائية المزمنة هذه تبرز بشكل أكثر حدة في مملكة البحرين؛ بسبب الكثافة السكانية من جهة، ومحدودية الموارد المائية الطبيعية وموارد الطاقة وكذلك الموارد المالية. 

  

كم يبلغ معدل المياه العذبة من مجمل المياه الجوفية في المملكة، وأين تتركز؟

إن نسبة المياه العذبة في المياه الجوفية في البحرين قليلة جدا، ولا تتعدى أكثر من 10 % من الحجم الكلي الأصلي للمياه الجوفية في البحرين، وتتركز في شريط ساحلي ضيق موجود في المناطق الشمالية الغربية من المملكة.

 

ما المصادر التي تعتمد عليها المملكة ودول الخليج العربي لتلبية احتياجاتها من المياه؟

تعتمد دول مجلس التعاون على ثلاثة مصادر رئيسة لتلبية متطلباتها المتنامية، أولها المياه الجوفية والسطحية التي تمثل حوالي 87 % من إمدادات المياه في المنطقة.

وإن معظم هذه المياه هي مياه أحفورية غير متجددة تكونت في باطن الأرض منذ آلاف السنين عندما كانت الجزيرة العربية تمر بمناخ رطب، وتلعب هذه المياه الطبيعية دورا كبيرًا في دول مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان بينما تقل أهميتها في الكويت والبحرين وقطر وبنسب أقل في دولة الإمارات التي تعتمد بشكل أكبر على المياه المحلاة؛ لتلبية متطلباتها المائية خصوصا البلدية منها.

وتمثل المياه المحلاة حوالي 19 % من مصادر المياه التي تعتمد عليها دول المجلس، وتأتي مياه الصرف الصحي المعالجة في المرتبة الأقل من حيث الاعتماد وتمثل نسبًا متدنية في الموازنة المائية في دول المجلس لا تزيد عن 3 %. 

 

ما المشاكل البيئية المترتبة على نضوب المياه العذبة في المملكة؟

المياه الجوفية هي المياه الطبيعية الوحيدة التي تمتلكها مملكة البحرين، ولكنها ناضبة، وتمر بتدهور في كميتها ونوعيتها، ولذا لجأت مملكة البحرين منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي إلى التحلية لتلبية متطلبات مياه الشرب، وإن المياه المحلاة تتطلب تكاليف مالية واقتصادية وبيئية أعلى بكثير من المياه الجوفية، ولجأت كذلك مملكة البحرين إلى مياه الصرف الصحي المعالجة. 

ومع نضوب المياه الجوفية وانخفاض مستوياتها المائية فقدت البحرين جميع عيونها الطبيعية البرية والبحرية التي كانت تعتمد على المياه الجوفية وفقدت معها العديد من الأنظمة الايكولوجية التي تحيط بها والمعالم التاريخية كذلك، وكذلك فقدت الفرص الاستثمارية السياحية من هذه العيون الطبيعية.

 

ما أبرز التحديات التي تواجه المياه العذبة في المملكة خصوصا والخليج العربي عموما؟

تتمثل تلك التحديات بالنظر إلى الظروف السابقة، في كيفية تلبية الطلب للقطاعات المستهلكة الرئيسة، المنزلية والسياحية والصناعية والزراعية، بالكمية المطلوبة والنوعية المطلوبة في هذه القطاعات، بأقل التكاليف المالية والاقتصادية والبيئية.

وأما التحدي الرئيس الثاني فيتمثل في كيفية إنشاء ثقافة ترشيدية عند مستخدمي المياه وفي المجتمع ككل، بالإضافة إلى إصدار تشريعات المباني الموجهة نحو ترشيد المياه في المنزل وتركيب الأجهزة المرشدة للمياه، وتطبيق الأدوات الاقتصادية عبر وضع سياسات سعرية تحفز على ترشيد المياه.

وأما التحدي الثالث فيتمثل في كيفية رفع كفاءة الإمداد من خلال خفض الفواقد في الإمدادات المائية نفسها، مثل التسربات المائية، ورفع كفاءة الطاقة في عملية الإنتاج والإمداد والوصول بها إلى المستويات المقبولة عالمياً.

ويزيد من التكاليف الحالية العديد من العوامل، أولها انخفاض كفاءة المياه في كل من جانبي الإمداد (نسب التسرب) والاستخدام (معدلات الاستخدام)، والدعم العالي غير الموجه لخدمات المياه خصوصا الصرف الصحي مما يؤدي إلى انخفاض مستويات استرجاع التكلفة، وانخفاض كفاءة الطاقة في بعض المواقع، وغيرها من المعوقات التي تزيد من التكاليف.

 

وكيف بالإمكان مواجهة هذه التحديات إذن؟

إن ترشيد متر مكعب من المياه في المنزل أو العمل على منع متر مكعب من التسرب في شبكة الإمداد لا يعني توفير 750 فلسا على البحرين فقط، وإنما جميع هذه التكاليف المذكورة.

وبالرغم من الظروف الطبيعية ومحدودية الموارد المالية وموارد الطاقة، إلا أن مملكة البحرين حققت العديد من الإنجازات المرتبطة بقطاع المياه، فقد استطاعت توفير المياه لاحتياجات القطاعات التنموية بشكل مستمر ودون أي خلل في المنظومة المائية، وتعد من أوائل الدول التي حققت الأهداف العالمية المتعلقة بمياه الشرب وكذلك خدمات الصرف الصحي على مستوى العالم.

ومع ذلك فإن هذه الإنجازات مصحوبة بتكاليف عالية، قد لا يحسها المواطن الآن ولكنها قد تؤثر على مسيرة التنمية ككل إذا لم يتم العمل على ترشيد المياه.

 

 

ما تقييمكم لمقدار الاهتمام الرسمي بالمحافظة على المياه العذبة وتنميتها؟

إن مملكة البحرين، بالرغم من الظروف الطبيعية ومحدودية الموارد المالية وموارد الطاقة، استطاعت تحقيق عدد كبير من الإنجازات المرتبطة بقطاع المياه، كتوفير مياه الشرب بشكل مستمر وبنوعية جيدة جداً وضمن المواصفات العالمية وبأسعار يستطيع الجميع تحملها.

وكذلك بالنسبة لخدمات الصرف الصحي، إذ وفرت المملكة نسبًا عالية من خدمات الصرف الصحي للسكان فيها ومجاناً. 

وأعتقد أن هذا يجب أن يوازيه اهتمام من قبل مستهلك المياه، يتناسب مع ظروف الندرة المائية في المملكة من حيث الترشيد والمحافظة على المياه، فسعر المياه الحالي الذي يدفعه المستهلك لا يمثل قيمتها الحقيقية.

 

كيف تستشرفون مستقبل المياه العذبة في البحرين ودول الخليج العربي؟

علّمنا التاريخ أنه لا توجد حضارة دون ماء، ومتى ما أساء الإنسان إدارة المياه وتدهورت حالة هذه المياه، ذهبت الحضارة وتلاشت معها.

وإن أهمية الماء تتعاظم في دول الخليج العربي التي تتسم بالجفاف الشديد، وتحقيق الأمن المائي فيها واستدامتها يعتمد على أفعالنا وتصرفاتنا اليوم، وعلى كفاءة المياه وتوظيف كل قطرة ماء في مكانها الصحيح ذي القيمة المضافة الأعلى، وتقليل الفرص الضائعة منها.

وسيعتمد ذلك بشكل كبير على وجود الحوكمة الجيدة للقطاع، وعلى تحويل المجتمع من متفرج على المشكلة المائية ومسبب لها إلى جزء أساس من حل المشكل المائي، واستدامة المياه على المدى البعيد؛ وذلك عبر المشاركة الفاعلة لهذه المجتمعات والتكيف مع المشكلة المائية المزمنة في المنطقة. 

ومن جهة أخرى، فإن الاستثمار في البحث العلمي وإنشاء مجتمع المعرفة وتفعيل القطاع الخاص بالشكل المناسب والمقبول له دور كبير في تحقيق الأمن المائي والاستدامة المائية.

وفي هذا المجال يأتي الاستثمار في صناعة التحلية ومعالجة المياه، على رأس أولويات دول المجلس لتحقيق الأمن المائي.

لقد تم إدخال صناعة التحلية في المنطقة منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وحالياً تمتلك دول المجلس مجتمعة أعلى طاقة لتحلية المياه في العالم وتصل إلى أكثر من 55 % من طاقة التحلية العالمية وهذه النسبة مرشحة للزيادة في المستقبل.

وتعتمد دول المجلس على مياه التحلية اعتماداً كبيراً في إمداد مياه الشرب فيها، وبالرغم من هذا الاعتماد وتزايده المتوقع في المستقبل ما زالت دول المجلس مستهلكة لهذه التقنية، وقيمتها المضافة في اقتصادات دول مجلس التعاون محدودة جداً.

ولذا، فإن اكتساب وتوطين تقنية تحلية المياه من خلال الاستثمار في البحث العلمي يجب أن يكون هدفاً إستراتيجياً لابد من تحقيقه؛ لضمان استدامة صناعة التحلية ودعم الاقتصاد الوطني في دول المجلس.