+A
A-

“السكلر”... قصص متشابهة بأسماء مختلفة

شموع مضيئة من الأمل تستحق أن نحافظ عليها مشتعلةً دائمًا، لا أن نخمد نورها بكلمة جارحة أو نظرة شفقة، فعندما يتألمون لابدّ أن نمد لهم يد المساعدة، فهم يحتاجون منا أن نمنحهم الثقة؛ ليكونوا رغم الألم قادرين على العطاء، فبمقدار الألم هناك أمل يلوح في سماء كل مريض.

ولكن في مجتمعنا يُعاملون بتهميش، لا يُقبلون في الأنشطة والتخصصات العلمية أو حتى الأعمال التطوعية، والبعض يرفض تزويجهم، مُتناسين بأن مريض السكلر هو شخص مثل الأشخاص العاديين، لكنه يحتاج إلى نظرة عادلة فيكون بذلك أحيانًا أفضل بكثير من شخص معافى.

نوافذ مقفلة

تختلف نظرة الأشخاص للأشياء من حولهم، كذلك هي نظرتهم لمرضى فقر الدم المنجلي، فجاسم عليّان البالغ من العمر 22 عامًا والمصاب بالمرض يقول “تختلف نظرة الناس لمريض السكلر، فمعظمهم يجهل طبيعة المرض، وما إن يعرفوا هذه الحقيقة حتى يبتعدوا عني وكأني أحمل مرضًا خطيرًا أو معديًا، أما بعضهم فينظر إليّ نظرةً صحيحة بأني شخص يعيش معاناة كاملة وأحيانا لا يجد الخدمة المناسبة له”.

ويتفق عبدالله أحمد، ذو الـ 24 عامًا، مع جاسم، والمصاب بالمرض كذلك قائلا “على الرغم من مرارة الكلمات ولسعات النظرات إلا أنه يجب على مريض السكلر أن يقبل بما قسمه الله له، فإنه إذا أحبّ عبدًا ابتلاه، فلا يبتليك الله أكثر من صبرك، فهو يعلم أنك قادر على مواجهة هذا المرض والتغلب على الألم”.

من جهتها، قالت اختصاصية الطب العام زينب الوداعي “أعتقد أن نظرة المجتمع تغيرت كثيرًا تجاه مرضى السكلر، فهناك من ينظر إليهم نظرة استعطافية وبعضهم لا يدرك معنى أن تكون مستحملا المعاناة، لكن لا تفوتنا حقيقة أن المصاب بالسكلر كغيره من الأفراد، وقد يكونون خير قدوة إن هيئت لهم الفرصة، ولدينا أمثلة عديدة في مملكة البحرين”.

وجود من عدم

التحدي الأكبر لأي مشكلة يكون ناتجا عن الثقة الداخلية للشخص، ولعلّ تحدي مرضى السكلر أكبر لمواجهة المجتمع وإثبات ذاتهم، وفي ذلك يؤكد عبدالله “دائمًا ما يعتقد الناس أن مريض السكلر شخص ضعيف ولا يستطيع تقديم أي خدمة تُطلب منه، لكن على العكس من ذلك، لا يوجد مرض في الحياة قادر على تحديد مستوى أي شخص طالما كان يتمتع بالعزيمة والصبر، ومؤخرا نلت شهادة بكالريوس أعمال مصرفية ومالية من جامعة البحرين”.

أما عليّان فكان تحدّيه مختلفًا، فكل ما يضعفه هو ما يدفعه لقهره، فالحياة علمته عدم الانكسار مهما واجه من مشاكل، فعلى الرغم من عدم إكماله مشواره الدراسي لأسباب بعيدة عن مرضه، إلا أنه حاول تعويض ذلك في وظيفته مصورا ومعلنا.

وفي هذا الشأن قالت الوداعي “فقر الدم المنجلي مرض مزمن لا شفاء له، لكن يمكن علاجه، والمرضى المصابون يختلفون في مدى تأثرهم بالمرض، فمنهم من يعيش حياة الشخص السليم، ولكن الشخص المصاب عموما يجب أن يحصل على حقه في مختلف مجالات الحياة كالوظيفة والحياة الاجتماعية”.

المظلة الواقية

يكمن على عاتق الأهل مهمة كبيرة في تشجيع المريض ليتغلب على مرضه، فكثير من الأهالي عند تكرر نوبات أبنائهم يمنعونهم من مواصلة الدراسة، لكن الدعم الدراسي والتشجيع على مواصلة الحياة الخارجية وإخراج المرض من كل المعطيات المستقبلية هو أمر مهم.

وفي ذلك تقول والدة جاسم “حفزوا أبناءكم بشكل مستمر، عاملوهم كباقي أفراد المجتمع وأنهم يستطيعون القيام بما يريدون ويطمحون، شجعوهم على إبراز مواهبهم للآخرين، فكثير من الأهالي يعمدون إلى إخفاء مرض أبنائهم؛ ظنًا منهم أن ذلك سيحميهم من المجتمع وسيمكنهم من مواصلة حياتهم كالبقية، ذلك بلا شك اعتقاد خاطئ؛ إذ قد يسبب لهم أزمات نفسية دون عمد”.

في مقابل ذلك، أكدت الوداعي أهمية الفحص ما قبل الزواج، الذي قد يعود بعواقب خطيرة أكبر ضحاياها الأبناء إن تم تجاهل نتائجه، فيجب على جميع الأهالي نصح أبنائهم في اتخاذ هذه الخطوة، وعلى الجميع استشعار المسؤولية للقضاء عليه.

آلام اجتماعية

بسبب كلام الناس يعيش مرضى السكلر معاناة كبيرة، فإلى جانب المرض الذي يتسبب لهم بالآلام فإنهم يتعرضون إلى آلام اجتماعية أخرى كتلقص فرص الدراسة والعمل، ولكن للزواج حكايةً أخرى، وفي هذا يقول محمد عبدالعال “للأسف، هناك كثير من العوائل ما زالت ترفض مريض السكلر، حتى أن البعض يطرق عشرات الأبواب حتى يجد شريكة حياته”.

ووافقته رباب الأسود بالرأي مضيفة “الشخص السليم ليس في مأمن عن الوعكة الصحية، والموت ليس ملتصقا بأحد دون الآخر، وهناك مئات الأسر الناجحة والسعيدة التي يكون أحد طرفيها مصابًا بالمرض، وينجبون أطفال غير مصابين بالسكلر”.

وتابعت “حين يوجد القبول والتحمل والصبر بين الطرفين تسير سفينة الحياة بأمان، ومهما تعثرت فإنها لا تغرق، بل تعود للاستقامة مجددًا سواء كان ذلك مع الأشخاص السليمين أو المرضى على حد سواء”.

صعوبات ومخاوف

رغم الإنجازات الكثيرة لمملكة البحرين في مجال الصحة، إلا أن ملف رعاية مرضى السكلر ما زال يشكّل الملف الأكبر تحديًا، فأروقة المستشفيات والمراكز الصحية تمتلئ بهم يوميا، وحين تضيق بهم السبل، يبثون نداءاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

فهل من المنطقي أن ينتظر مريض السكلر 6 ساعات ليحصل على سرير للعلاج؟ أو أن ينتقل من طبيب إلى آخر بلا جدوى؟ من يصدق أن التعامل مع هؤلاء المرضى كما لو أن آلامهم عادية كالآخرين رغم إدراك الأطباء صعوبة وضعهم؟ فضلا عن سوء التخطيط للعلاج وتأخير صرف العلاج لهم، ذلك ما يعرّضهم إلى سلسلة طويلة من الآلام خاصةً بعد تفريغ مبنى السكلر وجعله مبنى مخصّصًا لمرضى “كوفيد 19” ونقل المرضى إلى طوارئ السلمانية، ما أدى إلى تكدّس مرضى السكلر وجعل ساعات انتظارهم تطول عن السابق رغم ضعف مناعتهم.

وبتفصيل قالت الأسود “بتنا نمقت الذهاب إلى طوارئ السلمانية بسبب العذاب النفسي، ففي أحيان كثيرة يتم تكديس 3 أسرّة خلف ستار واحد حتى بات يصعب على الرجال من أهالينا زيارتنا طوال فترة وجودنا في تلك الغرفة التي لا تسع لأكثر من 10 أسرّة، ناهيك عن عدم وجود طبيب مناوب خاص بغرفة المريضات كما هو في باقي الغرف، بل يتم توزيعنا على أطباء تلك الغرف، حيث يطول انتظارنا لهم لأكثر من ساعة، فلم تنصفنا وزارة الصحة بقسم في الطوارئ ولا بجناح يستوعب أعدادنا”.

وأكد محمد أن “مرض السكلر لا يكون مميتًا إلا عندما لا يحظى المريض بالرعاية الصحية المناسبة بما فيها تلقي المتابعة اللازمة، ونحن دائمًا ما نتطلّع إلى مضاعفة الاهتمام من مقدمي الخدمات الطبية خصوصا في قسم الطوارئ”.

بقي القول إن هؤلاء أثبتوا كفاءتهم في مجالات عديدة، وعلى الدولة أن تنظر في تحسين خدمة أكثر من 8000 مصاب بهذا المرض بوضع حلول جذرية وفعلية، فهم بحاجة إلى من ينظر لهم بعين الإنسانية لا بالكلام الذي يغير واقعهم من سيئ إلى أسوأ.