عُقدت النسخة الأولى من المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض منذ أيام عدة، بمشاركة عالمية وإقليمية واسعة، وتحت عنوان “التعاون الدولي والنمو والطاقة من أجل التنمية”، لتتناول استشراف مسارات التنمية العالمية ضمن محاور ثلاثة؛ التعاون الدولي، والنمو الشامل، والطاقة من أجل التنمية. بيد أنَّ الحديث عن استشراف مستقبل التنمية ومساراتها في المنطقة العربية يتطلَّب اليوم الأخذ بثلاثة مقومات أساسية لا مندوحة من تحقُّقها، إن كان للمنطقة العربية أن تحقق النهضة والتحوُّل التنموي المأمول، في ظل المُربِكات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، بل والعسكرية التي يشهدها العالم بشكل عام، وتشهدها المنطقة العربية بشكل خاص. وتتلخَّص معطيات تلك المقومات في ضرورة التكتُّل من أجل الاقتصاد، والتنمية الشبابية المتوازنة والنوعية، والاستثمار في الرقمنة وما بعدها. المنطقة العربية التي تشكِّل نحو 10 % من مساحة العالم، و5 % من ديمغرافيته، وتتمتَّع بإمكانات نادرة تؤهلها بشكل كبير لأن تتكتَّل اقتصاديًا، لاستغلال المقومات المادية والطبيعية التي تكتنزها؛ لأنَّ المنطقة العربية هي الأكثر تعرُّضًا للطاقة الشمسية، ما يجعلها الأكثر قدرة على توليد الطاقة المتجددة إنتاجًا وتصديرًا، والطاقة الشمسية بشكل خاص هي مستقبل وقود العالم للغايات الاستهلاكية والصناعية الأكثر أمنًا واستدامةً. والمنطقة العربية تكتنز أهم مصادر تطوير واستغلال الموارد الطبيعية اللازمة للثورة الصناعية الرابعة التقنية الحالية، والثورة الصناعية الخامسة الذكية المقبلة، خاصة ما يتعلَّق بمجال المواد الخام من مادة السيليكا، وغيرها، بل إنَّ المنطقة العربية تحوي جميع أنواع ممكِّنات قطاع الزراعة، وخاصة في مجال الأسمدة ومشتقاتها، وهي بذلك رافعة حقيقية للأمن الغذائي العالمي قبل العربي. والمحصِّلة تقود هنا إلى ضرورة وجود تكتُّل اقتصادي عربي، على غرار تكتُّل بريكس، ليشكِّل رافعة اقتصادية بحتة تقوم على الاستثمارات المشتركة، السيادية والخاصة، وتحقِّق العوائد للمنطقة وللقطاع الخاص بها. أمّا على صعيد الشباب، فالمنطقة العربية تنفرد بالتركيبة الشبابية للسكان بنسبة تتجاوز 60 %، وتنفرد أيضًا بحقيقة أنَّ ما يقرب من نصف سكانها بين سن الطفولة ومقاعد الدراسة، ما يعني أنها تكتنز قوة بشرية قابلة للتكوين والبناء وفقًا لما يمكن أن تتطلَّبه الثورة الصناعية الحالية والمقبلة، بل وإمكانية أن تكون فاعلًا حقيقيًا للتحوُّلات الاقتصادية المقبلة عالميًا، من ذكاء اصطناعي وما بعده.
وأخيرًا، فإنَّ تحقيق مسارات تنموية حقيقية في المنطقة العربية يتطلَّب التحوُّل نحو فكر ومنهج اقتصادي إداري تفاعلي مشترك بين الحكومات والقطاع الخاص العربي، للوصول إلى معادلة جديدة في خَلْق المصالح والحفاظ عليها.
معادلة لا تقل عمّا يحدث في مجموعة بريكس، ومجموعة الآسيان؛ فالفرصة السكانية في المنطقة العربية، والفرصة الريعية من الموارد الطبيعية، ستتحوَّلان إلى نقمة إن لم يتم إدارتهما، بحكمة وحصافة وبتشاركية متوازنة وعقلانية راشدة.
* أستاذ السياسات العامة المشارك بكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية