أجندة اجتماعات المؤسَّستين الدوليتين، الصندوق والبنك، التي تُعقَد هذه الأيام حافلة بالقضايا الاقتصادية والسياسية الساخنة. هذه الاجتماعات تُعدُّ مناسبة سنوية للقاءات حقيقية مباشرة بين صُنّاع السياسة والقرار والخبراء الدوليين لمناقشة أكثر الملفات العالمية والإقليمية سخونة. ولعلَّ أبرز ملفات العام الحالي تكمن في مناقشة مخرجات تقريرين رئيسين؛ تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، وتقرير الاستقرار المالي العالمي. وذلك لما يظهره التقريران من توقُّعات الأوضاع الاقتصادية العالمية، ومتطلبات مكافحة الفقر، وبناء القدرات الضريبية للدول، ومستوى المخاطر والهشاشة المالية للدول، وخاصة في حالة الدول الناشئة، والديون السيادية التي باتت عنصراً مؤرقاً في العديد من الدول النامية، وخاصة القارة الإفريقية. ما يهمُّ المجتمع الدولي بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل خاص، هو توقُّعات النمو الحقيقي في ظل الأوضاع الجيوسياسية التي تسود العالم بشكلٍ عام، وإقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل خاص. وضمن هذا الإطار أظهر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أنَّ التوقُّعات ما زالت قائمة نحو هبوطٍ سَلِسٍ للاقتصاد العالمي بعد ما يزيد على عقد ونصف من الاضطرابات الاقتصادية، وأنَّ العام الحالي هو عام إعادة التوازن، ليكون عام 2025 عاما للانطلاق نحو معدلات نمو أفضل، وخاصة الاقتصادات الناشئة. ومن الواضح أنَّ سياسات استهداف التضخُّم وضبطه حقَّقت الكثير، خاصة في الدول المتقدمة، بعد توقُّع هبوط التضخُّم إلى نحو 4.5 % عام 2025، مقابل 6.8 % عام 2023، وفي ظل عودة آمنة ومستقرة نسبياً لمعدلات نمو حقيقي تتجاوز 3.2 % على المستوى العالمي، ونحو 4.2 % في الاقتصادات الناشئة. أمّا ما يهمُّ المنطقة العربية بشكل خاص فهو أنَّ معدلات نموها، وخاصة منطقة الخليج العربي، ستتجاوز التوقُّعات العالمية، وحتى تلك المتوقَّعة للدول الناشئة، حيث يُتوقَّع أن تتراوح معدلات النمو في منطقة الخليج العربي بحلول عام 2025، وخاصة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، بين 5 و6 %، ما يعني زيادة حقيقية في دخل الفرد تتراوح بين 3 و4 %، وهو المعدل الأعلى بين المناطق عالمياً ضمن الظروف العالمية السائدة. تبقى في النهاية قضيتان ستركز عليهما الاجتماعات العالمية؛ هما تقوية البناء الهيكلي للضرائب، وخاصة في الدول النامية بغية تقليل الحاجة إلى الاقتراض الخارجي، وتطورات الديون السيادية، التي باتت تؤرق الدول الدائنة والمؤسَّسات والأسواق الدائنة أكثر ممّا تؤرق الدول المدينة. ولعلَّ الهدف هو الخروج بسياسات لإدارة المالية العامة، من جهة، والدَّين العام من جهة أخرى، تجنُّباً للوقوع في أزمة مديونية عالمية سيادية وفردية في آنٍ واحد، وكلاهما على المحك. الكثير من دول المنطقة العربية مطالبة، أولاً، بضرورة وضع وتطبيق سياسات حقيقية نحو إدارة المديونية العامة، وثانياً، إثبات جدية حقيقية في ترشيد استخدامات المال العام.