العدد 5680
الجمعة 03 مايو 2024
banner
طه حسين تحت سيف الرقابة
الجمعة 03 مايو 2024

يحتفل المجتمع الدولي في مثل هذا اليوم باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي أقرته منظمة اليونسكو،ومع أنه في عصر طه حسين لم تكن مثل هذه المناسبة قد أقرت بعد، إلا أن حال حرية الصحافة في دول العالم التي تصدر فيها صحف- ولاسيما قبل النصف الثاني من القرن الآفل- لم تكن بالسوء الشديد التي هي عليه اليوم، فمع أن طه حسين تعرضت مقالاته لسيف الرقابة،على نحو  ما جرى لمجموعته القصصية -كما أسلفنا- "المعذبون في الأرض" التي نشرها في مجلته " الكاتب المصري" لكن لم يسمح له بعدئذ بإعادة إصدارها في كتاب بعد إغلاق المجلة، إلا أنه يُحسب للنظام الملكي حينذاك أنه تقبّل على الأقل -وإن على مضض- تعيينه وزيراً للمعارف( التربية والتعليم) في ظل نظام التعددية الحزبية السائد،أياً تكن شءالمآخذ عليه، في حين لم يخفِ طه حسين تبرمه من فصله من صحيفة الجمهورية منتصف الستينيات إبان العهد الناصري.كما تمكن حسين خلال العهد الملكي من التعبير عن سخطه من الرقابة على الصحف،وهذا ما أقرته المؤلفات التي صدرت لباحثين وكتّاب مصريين بعدئذ في العهد الجمهوري، ففي مخطوط غير منشور عُثر عليه بين أوراقه بعد رحيله تحت عنوان" محنة الأدب"نعى فيه حرية الصحافة من خلال خطاب وجهه للرقيب العام، ومما جاء فيه: " أشكر لحضرة معالي الرقيب العام عنايته بما كتبت ورده عليه وسؤاله عما يمكن الرقابة قد مسته من الفصول والبحوث الأدبية ليشاركني في الحزن على الحرية، وليرحم أيامها كما رحمتها ، فأحسب أن يتفضل الرقيب العام فيوافقني أن الرقابة مكروهة مهما يكن الموضوع الذي تراقبه، وكل كاتب له الحق في أن يقول ما يريد في حدود القانون وحده، ولن يكون الأدب حراً، إلا إذا كان القلم حراً في كل ما يطرحه من الموضوعات...". لكن هذه الورقة التي نشر نصها د. إبراهيم عبد العزيز في كتابه " د. طه حسين الديمقراطية"الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، طبعة 2013، ص 28 بدت خالية من التاريخ! وينقل عنه صهره وزير الخارجية الأسبق محمد حسن الزيات في عهد الرئيس أنور السادات في كتابه "ما بعد الأيام" تبرمه من الرقابة التي استمرت خمسة عشر عاماً قبل الثورة   : " ... إن الحرية  هي قوام الحياة الأدبية الخصبة ... إذا ذهبت أجدب الأدب وعقم الفكر." (ص 192 من طبعة مؤسسة هنداوي ، 2018 ). وعلى هذا النحو عبّر عن سخطه من الأحكام العرفية التي فُرضت خلال الحرب العالمية الثانية والتي استتبعت على حد تعبيره" أن تُفرض الرقابة على الألسنة والأقلام" ( طه حسين ، بين بين، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2014، ص 78).وثمة كتابات ومقالات عديدة له بهذا المعنى في صحف شتى خلال العهد الملكي سُمح له بنشرها وأبدى فيها بصورة أو بأُخرى انتقاده للرقابة، ليس هنا مجال الخوض فيها تفصيلاً.
على أن طه حسين مثلما كان فارساً منافحاً عن حرية الصحافة والصحفيين، فقد كان مدافعاً أيضاً عن حقوق الصحفيين، ومن ذلك مقته لتقييم الكاتب الصحفى الشاب الواعد الذي يعمل بانتظام داخل مؤسسته الصحفية من خلال المعايير البيروقراطية الضيقة للإنتاج أو ومنطق المكسب والخسارة .وفي هذا الشأن يروي سامي الكيالي أنه عندما كان مديراً لجريدة "المصري" كان ثمة محرر شاب من خريجي كلية الآداب من طلبة طه حسين يعمل معه ولطالما تأخر في تقديم مواده، وبعد أن أنذره غير مرة قام بفصله من العمل، فعاتبه حسين على ذلك منبهاً إياه أن الكاتب يكتب حين يستوحي لا حين تريد أنت كمدير إداري تحضر وتنصرف في مواعيد محددة، و مؤكداً له : " إن حرية الكاتب لا يمكن تقييدها بقيود". وللأسف فإن هذا الأسلوب في تقييم المحرر أو الكاتب الصحفي ما زال سائداً في الكثير من مؤسساتنا الصحفية والإعلامية في عالمنا العربي، ما يعرّضه في كثير من الحالات لتلك الحالة التي من الفصل التعسفي الذي تحدث عنها الكيالي والتي كاد يذهب ضحيتها تلميذ طه حسين الشاب لولا تدخله، كما يذهب ضحيته الكثير من الكتّاب العرب المعطائين في عصرنا إما لأسباب تعسفية أو كيدية.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية