العدد 5680
الجمعة 03 مايو 2024
banner
غزة ومفاوضات الهدنة المتأرجحة
الجمعة 03 مايو 2024

مهما قيل عن مفاوضات الحل النهائي، أو سجالات الأجهزة الأمنية الإقليمية حول غزة وأخواتها، رفح وخان يونس، والشمال المهجر قسريا، ومهما كانت أحلام الهدنة عصية على الحل، ومستعصية على رجال المرحلة، فإن شبح الاجتياح لرفح أصبح بمثابة الورقة التي يتم التلويح بها كلما تشددت “حماس”، وتعنتت إسرائيل، وعاد الوسطاء إلى ثكناتهم من دون غنائم، أو دون بساط ريح يصل بنا لـ “حل الدولتين”. المثقفون العرب وعلى مدى الشهور الستة الماضية يحاولون فهم ما يحدث وما حدث في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر حتى الآن، يخاطبون المثقفين الأوروبيين، يتكلمون مع أنفسهم، يتحاورون مع مؤلفاتهم، يعودون إلى تاريخ تأسيس إسرائيل منذ هرتزل ووعد بلفور حتى كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وما بعد “حل الدولتين” وصولا إلى مفاوضات اللحظة، لكنهم رغم الغموض المتشح بالسواد، والألم الذي يعتصر القلوب، توصلوا إلى حقيقة حضارية مفادها أن الانتصار الإسرائيلي على أرض غزة لم ينج منه مدني واحد، وأن الفروق العلمية بيننا وبينهم هي التي مكنتهم منا، هي التي وضعت حدا لحرب “الجلباب والصاروخ”، لتكنولوجيا الأصوات العالية، وإحداثيات وخوارزميات الأزمنة المتقدمة.
فرق كبير بين العشوائية والترتيب، بين البحث العلمي والبحث عن وظيفة، ثم بين الهدف المنشود وذلك الذي يقوم على صناعة المعرفة وأولويات النماء، ومصادر الاستقراء، وعينات التجارب المتفاعلة مع حاجات الواقع ومتطلبات التطور، ومصادر التعلم ولا نهائيات التقنية. الفرق بين إسرائيل وما تستخدمه من آلة حربية متغطرسة ونافذة، وبين ما نستخدمه من مغامرات ومهاترات وعشوائية في الصمود وحماس في التصدي، هو نفسه ذلك الفرق الواضح بين النتائج والمقدمات، بين النوايا الطيبة والتخطيط العلمي السليم.

جامعات هارفارد وكولومبيا وعدد من الجامعات الأوروبية العريقة انتفضت بوعي من أجل فلسطين، في الوقت الذي أسقطت فيه أي شعار لمعاداة السامية رغم اتهامات اللوبي الصهيوني، رغم ذلك تمت محاصرة الانتفاضات، وتم إجهاض الروح الوطنية لشباب العالم وهم يواجهون الظلم الدولي البين بالوعد الحق البين. الهدنة المؤقتة أم اجتياح رفح، “أصبح تحصيل حاصل”، وبات من الواضح أن مفاوضات الأجهزة الأمنية من دون إرادة سياسية قد يقود إلى انسداد جديد عند الخط الواصل بين رفح الفلسطينية ومعبر المساعدات المحنطة عند رفح المصرية. عودة الاحتدام للمشهد الغزاوي، يشي بأن شيئا ما يتم طبخه على نار هادئة، وأن جرير والفرزدق في هجائهما للعدوان والعدوان المضاد كانا على حق وهما يقاتلان من أجل الباطل.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .