+A
A-

عصام هادي: تحويل المحن إلى مِنح وفرص

ولدت بالمستشفى الأميركي عندما كانت الولادة في البيوت

تم اختياري للعمل في دبي من بين 200 متقدم

توظفت بـ ”طيران الخليج” بالتزامن مع عقد قراني

“السمرة”... القهوة التي حازت رضا والدتي

 

يؤمن بتحويل المحن إلى منح، إذ إنه تمكن من تحويل كارثة إصابته بجلطة قلبية إلى منحة ونعمة مباركة، حيث فضل الابتعاد عن كل ما يوتر بالنفس، وبحث عما يريحها، فوجد ضالته المنشودة في رحاب الحرم المكي. فعندما احتسى القهوة العربية هناك، وأعجب بها كثيرًا، سأل عنها العديد من المتاجر ليشتريها، فاتضح أنها تصنع بالمنازل. لم ييأس وواصل بحثه حتى تمكن من الوصول إلى الخلطة المنشودة بعد 3 سنوات من العمل الجاد. هذا العشق للقهوة كان كافيا ليحفزه إلى مشروع تجاري رائد دشنه عقب تقاعده عن العمل.

كان عصام هادي من أوائل أصحاب السجلات الافتراضية “سجلي” في البحرين، ويعمل تحت مظلة الأسر المنتجة، إذ حائز على جائزة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، لفرع أفضل أسرة منتجة على المستوى المحلي للعام 2019.

“البلاد” التقت، هادي، صاحب المشروع العائلي (قهوة 360 - اكتشف جميع حواسك)، والخبير الاستشاري في تقنية المعلومات؛ للحديث عن حياته وتجاربه المهنية والحياتية، وفيما يلي نص اللقاء:

المولد والنشأة

ولدت في منطقة القضيبية العام 1960 في المستشفى الأميركي رغم أن الولادة آنذاك كانت بالبيوت، وعشت فيها ودرست بمدارسها، وتخرجت بتخصص علمي من مدرسة المنامة الثانوية.

بعد تخرجي كان همي البحث عن عمل فقط؛ لأن بعض زملائي كانوا يعملون وكنت أرغب في العمل والحصول على راتب على غرارهم، وبالفعل قدمت أوراقي للعمل بشركة بتلكو كمشغل، وأثناء المقابلة وجدوا أن لغتي الإنجليزية ممتازة لذا سجلوني في برنامج للتدريب مدته عامين، والتحقت به بعد اجتيازي الامتحانات. وأثناء فترة التدريب نقلنا إلى مكتب فيه موظفون يلبسون بدلا وعليه حراسة، وكان هذا المكتب هو غرفة التلكس - التي تعادل الكمبيوتر حاليًا، فأعجبت به كثيرًا، لذلك بحثت عن معلومات عن التلكس فرغبت في دراسته. ثم تلقيتُ عرضًا في دبي للتدريب على الكمبيوتر من أجل العمل في دائرة الصحة آنذاك “وزارة الصحة حاليًا”، وتم اختياري من بين 200 متقدم، فقدمت استقالتي من برنامج التدريب في “بتلكو” وسافرت للعمل في دبي العام 1981.

عمل وزواج في آن واحد

السفر إلى دبي والتدرب على الكمبيوتر جعلني من محبي التعلم والمعرفة ومواصلة تعلم الأشياء الجديدة. درست في دبي برمجة الكمبيوتر لإدارة المرضى وتعلمت الكثير من الأشياء على يد مدربين من السويد.

وعملت في دبي لمدة 4 إلى 5 سنوات التقيت خلالها بالكثير من البحرينيين المسافرين للدراسة في شركة “اي بي ام”، وتعرفت على الكثير منهم كان أحدهم جمال الغاوي من شركة طيران الخليج، الذي اتصل بي يسألني متى سأسافر إلى البحرين لإجراء مقابلة توظيف لديهم، وذلك بالتزامن مع عودتي لعقد قراني في العام 1985.

كانت “طيران الخليج” وقتها قد جلبت برنامجا للطيران بنفس النظام التشغيلي الذي كنت أعمل عليه منذ 4 سنوات، ولا يوجد أحد في البحرين يعرف كيفية العمل عليه في حين أنني أصبحت خبيرًا فيه. (...) والحمد لله عقدت قراني وحصلت على عمل في آن واحد بالبحرين.

الإشارات المرورية  تُغير وظيفتي

عملت في “طيران الخليج” لمدة عام ونصف حتى أكملت المهمة التي أوكلت بها، لكن كنت أعاني من مشكلة واحدة هي أنني كنت أسكن في توبلي واضطر يوميًا لأقطع 26 إشارة مرور (وقتها لم تكن هناك طرق سريعة) ما يوتر أعصابي، وذات الأمر في طريق العودة للمنزل، لذا عندما وجدت فرصة للعمل في شركة “ألبا” التي كانت قريبة من سكني، قمت بتجربة الطريق إليها فوجدت أنه يستغرق 7 دقائق فقط في العام 1987، فقبلت بعرض “ألبا” رغم أن الراتب يقل عن “طيران الخليج” لتحقيق راحتي النفسية.

“ألبا” نقطة الانطلاقة

“ألبا” كانت نقطة انطلاقة لي، إذ تلقيت التدريب على أشياء كثيرة، خصوصًا أن الشركة لديها إمكانات كبيرة.عملت في “ألبا” منذ العام 1987 وحتى تقاعدي العام 2016. وتدرجت في المناصب من رئيس أول للبرمجة حتى وصلت مدير تقنية المعلومات. وتمكنت خلالها المشاركة في الخارج، ومنها دبي لإجراء لقاءات تعريفية عن مجال تقنية المعلومات. وحصلت في العام 2013 على جائزة أفضل مدير تقنية المعلومات في منطقة الشرق الأوسط، كما حصلت على العديد من الجوائز.

محنة المرض إلى منحة

تعرضت لأول أزمة قلبية في العام 2010، إذ توقعت حينها أنها نهاية حياتي، فقمت بمراجعة أوراقي خصوصًا أنني كنت على الدوام وأعصابي متوترة، وبدأت في البحث عما يفرحني ويقلل مستوى التوتر لدي. سافرت إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة في شهر رمضان، كنت صائمًا وفي رحاب الحرم المكي وقت الإفطار، كان يتم توزيع التمر والقهوة العربية على الصائمين. احتسيت القهوة وشعرت أن طعمها مميز ويختلف عن القهوة المعتادة، سألت عن اسمها فقيل إنها قهوة “جداوية”.

بحثت في المحلات بمكة ومنها “بن داوود” عن هذه القهوة لشرائها، إلا أنني لم أجدها، فاشتريت أنواعًا إلا أنني بعد تجربتها لم تكن بنفس طعم “الجداوية”. بعد ذلك بحثت عن القهوة في الدمام والخبر وبحثت في “غوغل”، واكتشفت أن هذا النوع من القهوة تعد في المنازل.

بدأتُ تعلم وتجربة كيفية إعداد خلطة القهوة “الجداوية”، وبعد 3 سنوات من العمل تمكنت من الوصول إلى خلطة “الشقرة” في العام 2013، وقد سببت لي القهوة عشقًا غريبًا وأصبحت زوجتي تقول إن “هذه القهوة بمثابة زوجتي الثانية”. هذا العشق حفزني لتطويرها باستمرار.

اكتشاف جميع الحواس

تقاعدت في العام 2016 وعملت بداية في تقديم الاستشارات في قطاع تقنية المعلومات، ورغم أنني تقاعدت لتقليل الضغوط النفسية إلا أنني عدت إليها بالعمل مستشارا. أسبوعيا أجتمع بزملائي وأصحابي في مجلسي لنحتسي قهوتي العربية، فاقترح علي أصحابي في مارس 2016 أن أبيع القهوة. استغربت الأمر في البداية، ثم بدأت أفكر فيه. وبالفعل عملت على إعداد العلامة التجارية أولا واستغرقت العملية 7 إلى 9 أشهر. أطلقت على المشروع “قهوة 360 درجة” وهو يحمل معنى اكتشاف جميع الحواس الخمس وأن العالم أصبح شيئا واحدا.

قهوة والدتي... السمرة

تذوقت والدتي القهوة “الشقرة” وشعرت أنها خفيفة جدًا وطلبت مني إعداد قهوة بطعم أقوى، ولذا أعددت لها “السمرة” التي عملت على خلطتها لمدة 3 أشهر، فرضيت الوالدة عن هذه الخلطة، وسميتها “قهوة أمي”، إذ اتضح أن والدتي وقليلين فقط يحبونها. لذا أصبحت أعدها حاليًا وفقًا للطلب.

“السودة” أعددتها لتصبح مثل القهوة الأميركية؛ لأن الشباب ومنهم ابني يحبون هذا النوع. ووجدت أن الشباب ابتعدوا عن القهوة العربية وأصبحوا يترددون على المقاهي وليسوا على دراية بكيفية إعدادها.

وبعد أن أعددت “قهوة 360 درجة” وجهزتها في أكياس، يتم فرغ الكيس في “الدلة” ثم يضاف الماء ساخن لتصبح وكأنها مطبوخة. تشير حاليًا الإحصاءات في حسابي على تطبيق الانستغرام إلى أن أكثر مشتري القهوة من الفئة العمرية 20 إلى 36 عامًا فالمنتج سهل الإعداد. كما أصبحت “الحنطية” هي القهوة البحرينية الأساسية؛ لأنها القهوة التي تناسب الغالبية.

ولدينا 6 أنواع من القهوة الشقرة، الحنطية، السودة، السلطانة، السمرة، والفرنسية. وهنالك 3 منتجات جديدة من أنواع القهوة في طور الإعداد. كما أن تغليف القهوة يتم إما لشرب كوب واحد أو “دلة”، وقريبًا سيتم طرح منتجين جديدين.

مصدر القهوة

جربت العديد من أنواع القهوة، والأفضل “آربيكا” التي تمتاز بطعمها اللذيذ مع الشعور بحموضة الفواكه، إلا أنني أحببت نوعين من حبوب القهوة الإثيوبية هما “الهرري” و ”اللقمتي”؛ لأن شارب القهوة يشعر بالحموضة، والفواكه تضيف المزيد من الطعم المميز على القهوة، كما أنها تعتبر الأفضل وحائزة على شهادة معتمدة من إثيوبيا. وتعتبر هذه القهوة عضوية لأنها على ارتفاع 6 آلاف أمتار على سطح البحر وتعتمد على الرطوبة في الجو، كما أنها لا تتعرض لأي مبيدات حشرية، وكذلك تعتبر القهوة بحد ذاتها طاردة للحشرات.

“360” في البحرين وأبوظبي

شاركت في العام 2017 في معرض الشوكولاتة والقهوة في البحرين وقررت أن أعد قهوة خصيصًا لمحل حلويات ومقهى واحد، مناسبة لحجم الكوب الواحد لديهم وكذلك الدلة الصغيرة (الرسلان)، وبالفعل نجحت في تسويقها، والآن تركيزي على المقاهي ومحلات الحلويات والمطاعم وفندق واحد في البحرين لتقديم القهوة و3 مقاهي في أبوظبي كذلك، حيث يقوم صاحب العمل بمعرفة كلفة القهوة وكمية القهوة المعدة إضافة إلى أن الزبون يشرب القهوة دائمًا بنفس الطعم. ومستقبلا سيتم العمل على المزيد من المقاهي ومحلات الحلويات والمطاعم والفنادق.

“سجلي” يخفض التكاليف التشغيلية

كنت من أوائل الذين حصلوا على السجل الافتراضي “سجلات” للتغليف، في العام 2017، وهذا فتح لي الباب أن يكون لدي مشغل رسمي وسجل وحساب بنكي من المنزل، وهذه نقطة مهمة؛ لأنني وجدت أن الكثير من الشركات الناشئة (ستارت اب) حسب الإحصاءات أن 97 % منها تفشل بسبب ارتفاع التكاليف التشغيلية للمشروع، و3 % فقط من المشاريع تنجح. وأعتقد أنه بعد السجل الافتراضي فإن النسبة تغيرت بشكل كبير؛ لأن التكاليف التشغيلية انخفضت.

عملت في المنزل مع عائلتي على المشروع وهي من الأمور المهمة للعمل كأسرة، فأنا وزوجتي نعد الخلطة، وابني المحاسب، كما عملت ابنتي لفترة معنا مندوبة للمبيعات.

ونعمل تحت مظلة الأسر المنتجة، ويتم أخذ عينات من القهوة كل 3 أشهر للتأكد من خلوها من أي شيء. والقهوة حاصلة على شهادات متعمدة.

كما أنني تلقيت دورات تدريبية من وزارة الصحة، ومن الأشياء التي تعلمتها في الدورات أن الصبغ (لون الزعفران) الذي يستخدم في “العيش” و ”القهوة” مسبب للكثير من الأمراض على رغم أنه يروج له بأنه زعفران، لذا فإننا لا نستخدمه في قهوة “360”.

فرنشايز

أتعاون حاليًا مع مستثمرين لمنحهم حق الامتياز “فرنشايز” لتشغيل مصنع في عدد من الدول ومنها السعودية والإمارات والكويت. والفرنشايز مهم؛ لأن الفكرة تكون في التغليف والتعليب لديهم لكن الخلطة الخاصة تأتي من المصنع لخلطها مع القهوة والهيل لتصبح القهوة جاهزة.

 

فخور بجائزة الأميرة سبيكة

حصلت على جائزة سمو الأميرة سبيكة لتشجيع الأسر المنتجة 2019 وكنت سعيد جدًا للفوز بالجائزة، وأفتخر بالحصول عليها، وشعرت أنني أنجزت شيئًا كبيرًا. والفوز بالجائزة يعد حافزًا، خصوصًا لنا كأسر منتجة؛ لإنجاز المزيد وتطوير العمل باستمرار. كما أن المنتجات البحرينية تحتاج إلى دعم؛ لأن منتجنا مكتوب عليه “صنع في البحرين” وهو أمر مهم جدًا. وبعد الفوز سافرت إلى معرض كانتوم في الصين، وأعمل حاليًا مع الصين لجلب منتجات ومعدات جديدة لتغيير طريقة القهوة العربية.