+A
A-

2019... لتكن جامعاتنا العربية نافذة الأمل والتغيير

انطلقت شمس 2019، وأفئدة المجتمعات العربية ترنو لفجر مشرق يزيل ضباب عمر طويل من الألم والجراحات ونزيف مستمر من التراجع.. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال بحث علمي موجه بمناحي الحياة كافة، ولعل مؤسساتنا العلمية وركيزتها مؤسسات التعليم العالي تعد حلقات الترابط في مشروع من الثقافة الشمولية الكونية.

ولا تكتسب الجامعة لقبها كمؤسسة تعليم عال كونها تقدم تعليما يلي تعليما آخر، وإنما هي أعلى كونها تلامس ينابيع الإبداع في ذوات مريديها فتتعهّدها وتصقلها وتضفي إلى العلوم رصانة البحث. تعتبر جامعاتنا العربية بمثابة المستهلك الأساس للمعرفة الغربية، والتي تتمثل في كل أنواع العلم والتكنولوجيا والمجلات والدوريات المختلفة ودُور النشر، ومصادر جمع المعلومات وبنوكها وغير ذلك من الوسائل المعرفية الحديثة التي تعتمد عليها المؤسسات العلمية الجامعية الأكاديمية. حتى أن بعض الدول العربية التي حظيت بمكانة علمية وتكنولوجية حديثا، تفتقد إلى السيطرة والتحكّم على وسائلها المعرفية وعمليات إنتاجها وتوزيعها. إن وضع جامعاتنا العربية يتطلب من العلماء والباحثين وأساتذة الجامعات والطلبة جهدًا مميزًا للاستفادة بالحد الأقصى من عولمة العلوم والمعلومات ومصادرها، وبغير هذا فإن الهوة سوف تزداد بين من يمتلك ناصية العلوم والتكنولوجيا والمعلومات ومن لا يمتلكها. ويتطلب هذا أيضا إدراك المنظومة القيمية المتعلقة بحسن إدارة الوقت واستثماره وتعظيم الاستفادة منه. إن مرحلة إنتاج المعرفة هي الأرقى من اكتساب المعرفة، حيث ينطوي إنتاج المعرفة على امتلاك الجامعات العربية القدرة على الإضافة إلى رصيد المعرفة الإنسانية الذي يعرفه جميع البشر ولهذا نتساءل: ما حال إنتاج المعرفة في الجامعات العربية في المجالات العلمية والتقنية، والأدبية والإنسانية والاجتماعية والفنية؟

نجد صعوبة في الحصول على معلومات حديثة ودقيقة ومتكاملة حول مُخرجات أنشطة البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي العربي. غير أنه يمكن بشكل عام قياس مُخرجات البحث العلمي من خلال المنشورات العلمية، وبراءات الاختراع، والابتكارات، وذكر تقرير التنمية العربي وبعض الدراسات أن هناك فقرًا في إنتاج الكتب في البلدان العربية مقارنة بعدد السكان، كما أن الأسواق تكاد تخلو من الابتكارات العربية، وهذا يشير إلى أن البحث العلمي في البلدان العربية لم يرق بعد إلى مرحلة الابتكار التي تمكن من دخول مشارف اقتصاد المعرفة واطراد التنمية الإنسانية.

إن مؤسسات التعليم العالي العربي مطالبة مع بداية السنة الجديدة أن تنطلق للدرجة الإبداعية، وتصبح قادرة على تنمية مهارات التعامل مع المستقبل، كمهارات التوقع، وتعني القدرة على التنبؤ بالأحداث قبل وقوعها، ومهارات التشارك، وهي عملية عقلية تؤدي إلى فهم واضح، مشترك وفعال للمشكلات، وبلورة نتائجها من خلال التعاون والتعاطف والتحاور، وهناك مهارات اقتحام المجهول التي تتمخض عن تدريب المتعلم على حل المشكلات، وألعاب المحاكاة، والخيال العلمي، والربط بين المعارف العامة والمهارات الفنية والمزاوجة بين الخبرة الشخصية والعملية والأكاديمية. إن صناع القرار في الجامعات العربية مطالبون بضرورة إدراك التحول في طبيعة المعرفة ومكانتها ودورها في المجتمعات المعاصرة، والعمل المكثف المتواصل على إصلاح مراكز صناعة وإنتاج المعرفة المتمثل في مراكز المعلومات والجامعات العربية بشكل خاص بما يضمن لها أن تكون مواكبة لعصر الانفجار المعرفي وتساهم في إنتاج المعرفة، كما يشمل ذلك عدم فصل عملية الإصلاح لمؤسسات التعليم العالي بالإصلاح الشامل في مجتمعاتنا. وفي هذا المقام نركز أكثر على إصلاح مراكز إنتاج المعرفة؛ لما لها من أولوية في تصحيح وتطوير الرؤية والمسار المستقبلي للتعليم العالي. ولابد إذًا من الصدام الحضاري الإيجابي الذي سيؤدي بدوره إلى حوار يوصل إلى التجديد الذي ينعكس على بعث مجد هذه الأمة من جديد وإشراق دورها العلمي المعتمد على جذور حضارة غائرة في أعماق التاريخ. وختامًا إن لم نسارع مع بداية السنة الجديدة إلى التوجه نحو وظيفة إنتاج المعرفة، فسيظل تعليمًا قاصرًا لا قيمة له في دفع حركة التنمية الوطنية إلى أفق عالمي.  والمقصود بإنتاج المعرفة ليس المعرفة التقنية ذات الصلة بالطبيعة والعلوم الطبيعية فقط، ولكن إنتاج المعرفة في العلوم الإنسانية أيضًا أمر ضروري ومهم لأي نهضة أو تقدم.

 

فادي الدحدوح

فلسطين - غزة