+A
A-

تايوان... “ضحية” حرب واشنطن وبكين الاقتصادية

 تشكل تايوان حالة فريدة في الاقتصاد الحديث، في ظل ارتباط تايبيه الدائم بـ”الأرض الأم” (الصين) في الوقت التي تصر الأخيرة على مبدأ “دولة واحدة ونظامين سياسيين”، بينما تظهر نزعات انفصالية في الجزيرة الصغيرة باستمرار، ليبقى الاستقرار الاقتصادي لها رهنًا بتطورات السياسة مثلما يرتبط بالأوضاع الاقتصادية.

 

تعاون “إجباري”

وكثيرًا ما يستخدم مثال تايوان والصين في المدرسة الليبرالية في العلاقات الدولية للدلالة على أن العلاقات الاقتصادية كثيرًا ما تمنع اشتعال الصراعات بين الدول (الوحدات السياسية)، فعلى الرغم من أن الصين تشدد باستمرار على أن تايوان جزء من أراضيها وأن من حقها استعادتها متى أرادت، إلا أن العلاقات الاقتصادية مع تايبيه تعد أهم الموانع التي تحول دون لجوء بكين للقوة لاستعادة ما تعتبره جزءًا من أراضيها، ويمنع تايوان كذلك من التصعيد.

فربع صادرات تايوان وأكثر من ربع وارداتها بقليل يأتي من وإلى الصين، كما أن الشركات المشتركة والروابط الاقتصادية هي الأقوى بين أي وحدتين سياسيتين في العالم، بما يجعل الارتباط مع بكين وثيقًا للغاية.

ولعل هذا هو ما دفع الاقتصاد التايواني للتباطؤ عام 2015 إلى مستوى نمو 0.6 % فحسب، في ظل تراجع الاقتصاد الصيني النسبي حينها، بل إن الأسواق شهدت ركودًا غير مسبوق أدى إلى تسجيل معدلات تضخم سالبة في بلد اعتاد المعاناة من مشكلة التضخم.

وعلى الرغم من تصنيف تايوان باستمرار بوصفها أحد “النمور الآسيوية” التي شهدت طفرات كبيرة في معدلات النمو، إلا أن معدلات النمو تراجعت كثيرًا في السنوات الأخيرة للعديد من العوامل، ولعل أهمها أن الاقتصاد التايواني أتم انتقاله تقريبًا من المرحلة الزراعية إلى مرحلة الاقتصاد الصناعي بما يعني أن طفرات النمو لم تعد ممكنة وأصبحت المعدلات اعتيادية مثل الدول الصناعية تقليديًّا.

غير أن السبب الأهم أن تايوان تراجعت كثيرًا عن جيرانها المزدهرين اقتصاديا، كوريا الجنوبية مثالًا، حيث يشير تقرير لمنتدى التعاون الاقتصادي إلى أن البنية التحتية في تايوان هي الأقل جودة بين مثيلاتها في الدول الآسيوية، كما أن العلاقات الاقتصادية التايوانية أكثر اعتمادية على دولتين فحسب، الصين والولايات المتحدة، بما يجعلها عرضة للتأثيرات السلبية في البلدين.

 

أزمات متعددة

ولعل ما ساهم في تحسن الاقتصاد التايواني نسبيًا خلال العامين الماضيين هو تحقيق الاقتصاد العالمي لنمو معقول ساهم في نمو التجارة العالمية، وبالتالي استفادت تايبيه من ذلك، لاسيما أنها تعد إحدى أكثر الدول حول العالم اعتمادًا على التجارة الخارجية.

وإحدى أهم الأزمات التي تعترض تايوان هي حقيقة اعتمادها على الصادرات من الأجهزة الكهربائية التي تمثل 40 % منها، وتأتي في صدارة تلك الصادرات هاتف “آيفون”، حيث إن تايوان هي رابع أكبر منتج للأجهزة الكهربائية في العالم.

والأزمة التي تعترض تايوان في المرحلة المقبلة تتمثل في انعكاسات المواجهة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة التي ستضرب الاقتصاد التايواني بعنف، لأكثر من سبب.

السبب الأول عام ومتعلق بتراجع التجارة العالمية حال استمرار الحرب التجارية واتساعها بما سيؤثر على دولة تعتمد كليًّا على الصادرات من الأجهزة الكهربائية والآلات والكيماويات.

أما الأسباب الخاصة بتايوان تحديدًا فتتعلق بعدم ترجيح “تسامح” الصين مع تايوان إذا ما تراجعت علاقات بكين الاقتصادية مع واشنطن، حيث ستفقد الأولى “الحافز” للإبقاء على العلاقات جيدة مع تايوان، ويبقى التهديد الأمريكي ذو الصبغة العسكرية وهو مستبعد إلى حد بعيد، بما سيجعل ضم الصين القسري لتايوان محتملًا أو سيجعلها عرضة لإجراءات صينية أكثر قوة فيما يتعلق بسياسات تايوان الخارجية والاقتصادية مما سيؤثر حتمًا على تدفق الاستثمارات إليها.

 

“ضرر جانبي”

كما يشير تقرير لـ”فوربس” إلى أنه مع القلق المتوقع حدوثه في المرحلة المقبلة حول مجالات الاستثمارات فإن تايوان ستصبح من أقل الخيارات جذبًا في منطقة شرق آسيا بالكامل، مع القلق الاقتصادي والسياسي المتعلق بتايوان تحديدًا دون ما حولها من دول اعتادت جذب الاستثمارات بشكل عام.

وعلى الرغم من تعهد رئيسة تايوان “تساي إينغ وين” بأن تتجه بلادها لعلاقات “أكثر استقلالية” تعتمد فيها على نفسها فحسب في خطاب اعتبر حينها تاريخيًّا قبل أكثر من عام، إلا أن تايبيه لم تتخذ خطوات عملية في هذا الاتجاه لتبقى العلاقات مع الصين العنصر الحاسم في مدى تطور تايبيه اقتصاديًّا.

وتشير دراسة لمجموعة “جو فيس” لتحليل المخاطر إلى أنه على الرغم بقاء الوضع المالي صلبًا في تايوان إلا أن انقطاع المحادثات مع بكين بشأن العلاقة بين الطرفين قلل كثيرًا من تدفق الاستثمارات إليها بسبب القلق العالمي حول مدى استقرار الوضع في تايبيه.

وتزداد أهمية أسباب القلق التايواني في ظل ما أشارت إليه “إيكونوميست” من أن الصين لجأت إلى سياسة جديدة في مواجهة تايوان قبل عامين بالتركيز على صناعات مماثلة لتلك التي تتفوق فيها تايوان لكي تكون قادرة على التفوق عليها متى شاءت في ظل تفوق بكين اللوجيستي بخطوط تجارة هي الأضخم في العالم، ليصبح الاقتصاد التايواني بمثابة “أضرار جانبية محتملة” لمواجهة بكين وواشنطن.