+A
A-

للقراءة: كتاب "معنى الحياة" لآلان دو بوتون

كتاب يستطلع منابع المعنى من الحب والأسرة، إلى العمل والثقافة والطبيعة.
يأخذ بأيدينا إلى واحدة من أعظم ما يمكن أن نواجهه من مسائل حول معنى الحياة. قد يبدو التأمل في معنى الحياة أمراً سخيفاً، عديم النفع، أو مرهقاً. الحقيقة هي أن طرحنا هذا السؤال على أنفسنا مهم جداً كي نستطيع أن تعرف الوجود الأكثر غنى بالمعنى وكي نسير إليه.
يستعرض هذا الكتاب جملة ميادين نستطيع أن نتلمس فيها معنى لحياتنا، ومنها الحب والأسرة والصداقة والعمل والطبيعة ومعرفة الذات. نكتشف ما يجعلنا نشعر بأن ثمة أموراً لها معنى في حين يبدو غيرها من غير معنى، كما نتعلم كيف نضفي على حياتنا اليومية مزيداً من المعنى.
مدرسة الحياة منظمة عالمية تعين الناس على عيش حياة أكثر إشباعا، فمن خلال مجموعة الكتب والهدايا ومستلزمات القرطاسية، نحاول تعزيز طبائع أعمق تفكراً، وتساعد الجميع في العثور على حياة مشبعة راضية مدرسة الحياة مورد لاستكشاف العلاقات ومعرفة الذات والعمل والعشرة الاجتماعية والعثور على الهدوء والاستمتاع بالثقافة من خلال ما توفره من محتوى وتواصل. يمكنكم أن تجدونا على الانترنت وفي المكتبات، وكذلك في أماكن مضيافة في أنحاء العالم تقدم دروساً ومناسبات وجلسات معالجة فردية.

مقدمة
إن تساءل المرء علنا عن معنى الحياة، أو فكر عميقا في معنى الحياة، فقد يبدو هذا محاولة غريبة أو عاثرة الحظ أو مضحكة، وإن من غير قصد. ليس هذا مما يجدر بإنسان عادي فان أن يحاوله، أو أن يشتط كثيرًا في محاولته. من الممكن أن تتولى هذه المهمة قلة مختارة مؤهلة لأن تكتشف الإجابة من خلال حياتها؛ إلا أن أكثرنا ليس جديرا بهذا التطلع الطموح. وذلك أن الحياة ذات المعنى لا تكون إلا من نصيب بشر استثنائيين قديسون أو فنانون أو علماء أو باحثون أو مستكشفون أو قادة. إن قيض لنا يوما أن نكتشف المعنى، فسوف يكون ما نكتشفه غير طيع بالنسبة إلى أفهامنا ... هذا ما نتوقعه، فقد يكون مكتوبا باللاتينية، أو برموز شيفرة حاسوبية لن يكون ما نصل إليه شيئًا قادرًا على توجيه نشاطاتنا أو إنارة الطريق أمامنا. نحن نتحرك - من غير أن نقر بهذا دائما - بموجب نظرة إلى معنى الحياة متسمة بقدر لا يستهان به من المحدودية.
وأما في حقيقة الأمر، فإن هذا موضوع في متناول كل إنسان، فلنا جميعا أن نتساءل عن معنى الوجود، وأن نضع له تعريفا. لا معنى لأن نحيط هذا الأمر بأي قدر من التحريم». من الممكن أن تكون الحياة ذات المعنى بسيطة التكوين شخصية، مفيدة جذابة، بل مألوفة أيضًا. وهذا الكتاب مرشد إلى تلك الحياة.
فالحياة التي لها معنى حياة قريبة من الحياة السعيدة، لكنها مختلفة عنها اختلافًا مهما في بعض النقاط. ها هنا بعض مكونات تلك الحياة :
تكون الحياة التي لها معنى معتمدة على جملة من أعلى قدراتنا؛ وهي تضعها موضع التطبيق أيضًا. ومن أمثلة تلك القدرات العليا الرقة، والاهتمام بالآخرين والتواصل، وفهم الذات، والتعاطف، والذكاء، والإبداع. الحياة ذات المعنى لا تميل كثيرًا إلى استهداف الرضا اليومي من حيث هو إشباع للمرء. فقد نعيش حياة ذات معنى لكننا نمر بلحظات كثيرة من سوء المزاج - تماما مثلما قد تكون لدينا كثرة من المسرات السطحية، في أكثرها، لكننا نعيش حياة من غير معنى.
الحياة ذات المعنى متعلقة بالمدى البعيد. فالمشاريع والعلاقات والاهتمامات والالتزامات تتزايد تزايدًا تراكميًا. إن النشاطات ذات المعنى تترك خلفها أثرًا حتى عندما تكون المشاعر التي دفعتنا إليها قد مضت وانقضت.
ليس ضروريا أن تكون النشاطات ذات المعنى نشاطات نمارسها كثيرا. إنها النشاطات التي نقدرها تقديرًا عاليا ونعتقد - عندما نفكر في موتنا - أننا سنفتقدها كثيرًا.
لا بد من الإجابة شخصيا عن السؤال عما يجعل الحياة ذات معنى، وذلك حتى إن كان ما يتوصل إليه المرء غير متسم بسمة شخصية واضحة. لا يمكن أن نعتمد على الآخرين كي يقرروا ما سيكون ذا معنى بالنسبة إلينا. فالأزمات التي ندعوها «أزمات المعنى هي، بشكل عام، لحظات يتعارض فيها التفسير الذي يقدمه شخص آخر قد يكون حسن النية إلى أقصى حد) مع ما يمكن أن يكون ذا معنى بالنسبة إلينا تعارضًا واضحًا، وذلك نتيجة إدراكنا المتنامي لاختلاف أذواقنا واهتماماتنا.
علينا أن نتوصل، من خلال عملية التجربة والتأمل الداخلي، إلى ما هو ذا معنى في نظرنا. فقد تكشف المسرة عن نفسها من غير تأخير، إلا أن تذوقنا للمعنى يمكن أن يكون أكثر مخاتلة وخفاء. ومن الممكن أن نمضي شوطاً بعيدًا في حياتنا قبل أن نستطيع التوصل إلى تحديد واضح لما يجعلها ذات معنى.
ينظر هذا الكتاب في مجموعة واسعة من الخيارات المتاحة من أجل اكتشاف مكامن المعنى بالنسبة إلينا. وهو قائم من حول مناقشة ثماني نشاطات ذات معنى مركزي الحب، والأسرة، والعمل والصداقة، والثقافة والسياسة والطبيعة، والفلسفة. أكثر هذه الميادين معروف جيدا، لكن الفكرة هنا ليست محاولة وضع اليد على منابع للمعنى جديدة كل الجدة بقدر ما هي محاولة استحضار بعض الخيارات المألوفة وشرحها. ينبغي أن توفر هذه الخيارات لنا توجها وأن تمنحنا القدرة على العثور على ما نفضله نحن أو أن تجعل في مستطاعنا أن نبتكر خيارات بديلة عندما نجد أنفسنا مبتعدين عن تلك الخيارات المألوفة.
 وخلال مجرى هذه العملية، نأمل في أن ننجح في التشديد على فكرة أن حياتنا أكثر امتلاء بالمعنى مما قد يتبادر إلى أذهاننا أول الأمر ... وبالتأكيد، هي أيضًا أكثر قدرة مما نظن على أن تكون ذات معنى. ليست زيادة مقدار المعنى» في حياتنا محتاجة إلى أن تنطوي على أية أفعال مباشرة جذرية. وذلك أن في حياتنا منذ الآن - هذا مؤكد تقريبا - جوانب شديدة الغني بالمعنى، لكننا قد نكون غير قادرين على فهم تلك الجوانب، أو إدراك قيمتها إدراكا صائبا، أو غير قادرين على الاحتفاء بها. لقد حان وقت تحويل السعي إلى حياة ذات معنى من أمر مستحيل معقد إلى أمر نستطيع جميعا أن نفهمه، وأن نستهدفه وننجح فيه.