العدد 5661
الأحد 14 أبريل 2024
banner
الركض في المنحدرات القاسية نحو السماء
الأحد 14 أبريل 2024

الإبداع كلمة خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، ومن يقرأ الشاعر ت. س. إليوت سيدرك أنه من أعظم الشعراء بنتاجه الكثير المتنوع والغني بحس عميق عن قضايا الإنسان الذي كتب عليه الركض في المنحدرات القاسية نحو السماء، لكن لهذا الشاعر اهتمام بالمسرح يميزه عن بقية شعراء عصره كونه حمل تجربة مريرة مع الحياة.
اهتمام إليوت بالمسرح كما عرفنا وقرأنا من كبار النقاد العرب كان في اللغة والأداء، وبارتفاع النص المسرحي عن مستوى التفسيرات التي يحاول بها الممثل أو المخرج أن يعبر عن شخصيته من خلال التمثيل أو الإخراج، فقد كان هذا جزءا مكملا للإطار العام الذي ينظم آراء إليوت في ميدان النقد الأدبي والخلق الفني. إن دعوته لطمس شخصية كل من الممثل والمخرج، وإعطاءه النص المسرحي حصانة ترفعه عن مستوى الأهواء والنزوات، هما امتداد لرأيه في أن يصدر النقد عن العمل الفني في ذاته وبطريقة موضوعية لا دخل فيها لأفكار مسبقة من جانب الناقد، وهما أيضا استمرار لدعوته أن يأتي الخلق الفني نتيجة لطمس شخصية الكاتب المحدودة وفناء وجوده الإنساني في لانهائية الشخصية الفنية التي تمتد عن طريق الإحاطة بالتراث الحضاري للبشرية عبر الأجيال.
كان هذا الشاعر الفذ يكتب بانطلاقة الناقد الحر الذي لا يرى حاجة لمهادنة المسرح، أو التوفيق بين الاعتبارات الفنية البحتة والظروف العملية المليئة بعوامل الإحباط. وعندما انغمس في بوتقة المسرح، واصطدم بمشكلات الواقع كصعوبة تصوير الصراع في عصر قلت فيه المعتقدات المشتركة، وتضاؤل الشخصية المعاصرة بالنسبة لأبعاد البطولة الرحيبة في الماضي وعدم التجانس الثقافي والعاطفي بين المشاهدين، وانصراف الغالبية منهم عن الشعر، اختلطت عليه المسافات والجهات والتشكل ورفض استعمال القناع المجرد بدلا من التقدم نحو عتبة التفاؤل. كان واضحا احتجاجه على مشكلة معقدة في المسرح ويرمي إلى إيجاد مفهوم جديد ولكنه لم يستطع.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية