قرأت بالصدفة في إحدى الدوريات العلمية أن العامل الثقافي يعتبر أحد المقومات الاجتماعية، ويؤثر بدوره في الميول القرائية للأطفال، ويقصد به درجة التحصيل الدراسي للأبوين التي تمثل مستوى نظرة الأبوين في تنشئة الطفل ومستلزمات هذه التنشئة، كما أن نظرة الأبوين المثقفين لشؤون الحياة وطريقتهما في تنشئة الأبناء ورأيهما في مستقبلهم، واتجاهاتهما في الأساليب التي يتبعانها تختلف عما تكون عليه عند الأبوين الجاهلين، فقد بينت دراسة كيف يحدد العامل الثقافي أساليب التنشئة التي تتبعها الأمهات مع الأطفال، فالمثقفات يبدأن التدريب على الاستقلال قبل الأمهات غير المثقفات، كما دلت على وجود ارتباط ذي دلالة إحصائية بين العامل الثقافي وأسلوب المعاملة، ودلت أيضا على وجود ارتباط بين العامل الثقافي ودرجات الاهتمام بالطفل وتأمين حاجاته بارتفاع المستوى الثقافي للأبوين.
لا أعرف، ولكنني أشعر بأن مثل هذه الدراسات غير دقيقة، فالعالم مليء بالمبدعين الذين كانوا من أبوين غير متعلمين، بل وبعضهم لم يدخل المدارس، فالوالد محمد الماجد رحمه الله، كان والداه “جدتي وجدي” غير متعلمين، صحيح أن الجد كما سمعت من العائلة كان يعرف الحساب وفك الخط، لكن جدتي كانت “من عيايز لووول”، ومع ذلك أنجبا طفلا عاش في يأس وفقر ولم يدخل مدرسة، لكنه أصبح بعد ذلك علما من أعلام البحرين وأديبا كبيرا. 
أتصور أن الحرمان والعوز والانسحاق هو الذي يؤثر في طريقة ميول الأطفال وتنشئتهم، بل وأعتقد أن الحرمان العنصر المهم في ظهور المبدعين والعباقرة وليس شرطا أن يكون الأبوان متعلمين، وكما أسلفت.. التاريخ مليء بأسماء عمالقة عاشوا في صغرهم في كنف أبوين جاهلين لكنهم استطاعوا أن ينحتوا أسماءهم على جدران الكون.
* كاتب بحريني