العدد 5658
الخميس 11 أبريل 2024
banner
شخصية متوحشة في إبداعها
الخميس 11 أبريل 2024

كلما أتعمق في قراءة المسرح العالمي واستكشاف دهاليزه المخفية والضفف البعيدة، أصدم بشخصيات أقل ما يمكن القول عنها إنها مجنونة إبداع بكل الشواغل والهموم، شخصيات تدفع عجلة المسرح منذ قرون في صمت وجهد ويأس، وأحد هؤلاء الشاعر اليوناني الفذ “أريستوفان” صاحب المسرحية الشهيرة “الضفادع”، فهذا الشاعر كما كتب عنه عاش حياته منقطعا للمسرح، فكتب 44 ملهاة وصف فيها خفايا عصره وكانت بحق وثائق تاريخية، وكان يستخدم الأسلوب الشعبي القح بصوره الساخنة، أما الكورس عنده فبلغ القمة، حيث يقال إنه الشعر الأعلى بين المستويات المماثلة على المسرح عموما حتى إلى عصرنا هذا.
وأما حواره ففيه ذكاء وبراعة وحذق لروح النكتة، حيث يقرن فيها اللفظ والجرس والكناية والتعبير النابع والمفاجأة، فكانت مثل انبثاقات الصواريخ النارية. لكن حظه كشاعر أتاح لخصومه ثغرة تؤذيه وتشنع على اسمه في عصره الذي كثرت فيه البدع والغوغائية كنتيجة حتمية للحروب الأهلية التي أهلكت الحرث والنسل وأفسدت القيم، فصوته من أجل السلام بين القبائل اليونانية ومن أجل الوحدة القومية ضاع هدرا، ولم يتحقق إلا على يد الإسكندر الأكبر بعد موت أريستوفان بحوالي نصف قرن، حين أصبحت اليونان دولة واحدة بسطت ظلها على العالم القديم.
والمعروف أن الكوميديا ظهرت أولا على مسارح صقلية ثم انتقلت إلى ميجارا، ولم يسمح بها في أثينا إلا سنة 460 ق. م قرب مولد أريستوفان، وظلت مهددة من جانب المتزمتين حتى فرض أريستوفان سلطتها وبقاءها على المسرح. وكان شهيدا، عذب وحوكم من أجلها وفي سبيلها، فاعتبر بحق أبا الكوميديا إلى اليوم.
شخصية متوحشة في إبداعها تمكنت من صنع شكل خاص متفرد للكوميديا على شكل قماش نادر.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية