العدد 5647
الأحد 31 مارس 2024
banner
“القرقاعون” ومكاسب العشر الأواخر
الأحد 31 مارس 2024

ما إن انتصف شهر رمضان الفضيل، وما إن خرج الأطفال مرتدين حلاهم القشيبة، وفي أيديهم أكياس الحلوى والمكسرات، حتى أيقنت أن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، يمر مرور السحاب على العين، وأنه يمضي بسرعة مذهلة نحو العشر الأواخر، التي نتذكر فيها المآثر، ونتعلم منها الدروس، ونقيم في معيتها الليل.
ما إن رأيت أطفالنا وهم على الفرح مولودون، وعلى المنسك مرابطون، وعلى العادات والتقاليد ملتزمون، حتى انتابني شعور غريب بالوحدة، بالرغبة في الانعزال، والدعاء إلى الله عز وجل، شعرت بأن بركات الشهر الفضيل تواصل رحيلها إلى الأيام الأخيرة، إلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، إلى عيد الفطر المبارك الذي نفرح فيه بالإفطار والاحتفال وقضاء أحلى أيامنا.
“شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس”، أوشك على الانتهاء، من دون أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا لأنفسنا ولبلادنا، ولأهلنا في هذا الشهر الكريم، ماذا حققنا؟ وما الذي أخفقنا في تحقيقه؟
في هذا الشهر الفضيل كانت أمامنا، مثقفين ورواد أعمال وأكاديميين، رسالة وطنية مفادها أن نصل الليل بالنهار، ليس في التعبد وارتياد المجالس، وزيارة أولياء الله الصالحين فحسب، إنما في قضاء حوائج الناس، في العمل الدؤوب من أجل أن تصبح بلادنا أزهي وأبهى، وأن يصبح الوطن أجمل وأكثر اشراقا وعطاء وتطورا. 
بكل تأكيد نحن مازلنا دون مستوى الطموحات، مازالت خططنا الاقتصادية ورؤانا التنموية تفتقر إلى التدقيق، مازال الطريق إلى التنفيذ ملغما بضعف الأداء، وقلة الخبرة، وغياب الإمكانات، على سبيل المثال نحن مازال لدينا طموحات أكبر بكثير مما هو متاح تحت أيدينا من موارد تفي بالغرض، هنا فقط ينبغي علينا أن نعاير التكنولوجيا الفارقة، أن نحاول معها من أجل تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، أن ننظر ونتعامل مع الذكاء الاصطناعي ليس باعتباره ترفا بقدر ما هو مسؤولية، أن نخلق وطنا للتكنولوجيا والتقنية الحديثة، وأن نوطن الصناعات الرقمية ونجعل لها موطناً دائماً تسكن فيه، وليس داخل بيوتنا فحسب، إنما أيضاً داخل قلوبنا وعقولنا.
أن نصدر التكنولوجيا بدلا من أن نقوم باستيرادها، أن نعيد برمجة إحداثياتها بدلا من الاستسلام لما يأتي إلينا من الخارج بشكله التقليدي الذي أصبح في متناول الجميع.
خططنا ورؤانا لابد أن تكون مدججة بالأرقام والخوارزميات والأدلة والبراهين القاطعة على أننا نستطيع انتاج التكنولوجيا مثلما نجحنا في التعامل معها بأعلى احترافية ومهنية ممكنة، أن يكون لدينا الرغبة والإرادة في تطوير أنفسنا، حيث إن ليلة القدر لا تهبط من السماء إلا على المجتهدين والمجدين والمثابرين والمتميزين، إن الله عز وجل يستجيب الدعاء لكائن من كان، ولكن “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”، هنا تصبح للعطايا السماوية معناها، وديمومتها وقيمها، وهنا يصبح أمام كل مؤمن رسالة وطنية مثلما عليه رسالة دينية، الصوم والصلاة والدعاء، والعمل الدؤوب من أجل وطن أرقى، وشعب يأكل مما يزرع ويلبس، ما يصنع وكل عام وأنتم بخير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية