العدد 5640
الأحد 24 مارس 2024
banner
مجالس الخير الرمضانية
الأحد 24 مارس 2024

منذ رؤية هلال شهر رمضان الفضيل وجموع الناس تتوافد على المجالس الرمضانية، مجالس الخير والتاريخ، مجالس المحبة والتعايش والتسامح والسلام.

وددت لو يتم توثيق ما يحدث داخل هذه المجالس المباركة، الكتابة عنها بانتظام، إصدار كتب أو كتيبات ورقية وإلكترونية، العبور بهذه المجالس إلى خارج البلاد، إلى الدول التي لم تتعرف علينا عن قرب، وتلك التي لم تفهم رسائل شعبنا إلى العالم أجمع، بأننا وطن لكل من يعيش على أرضه، وطن لقبول الآخر واحترامه، وطن لكل منشد للحب وكل داعٍ للسلام.

مجالسنا الرمضانية يلتقي فيها كل الناس، على المحبة والخير وإشاعة جو من البهجة والتراحم وتبادل الأفكار وطرح الرؤى، ليس غريبًا إن قلت بأن هذه المجالس تحولت في العديد منها إلى مؤتمرات مفتوحة، إلى برلمانات شعبية تلقائية، إلى منتديات فوق العادة يتم فيها التعبير عن المكنون الشعبي، وعن الهم اليومي، وعن التصريحات الصحافية للوجهاء والأعيان وكبار المسئولين في الدولة.

حضرة صاحب الجلالة مليكنا المعظم استقبل خلال يومين متتاليين في مجلس رمضاني مهيب أهالي وأعيان محافظتي المنامة والمحرق، كان التوافد كبيرًا، وكان الاحتفاء السامي بشعب المدينتين العريقتين عظيمًا، بل أن القلب المفتوح والعقل المستنير والفكر السباق لحضرة صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه قد احتضن الجميع بدفئه المعهود، بابتسامته النابعة من القلب التي تسبقه إلى كل من يقصد مجلس جلالته وكل من يلتقي به في أي مناسبة من المناسبات.

هذه هي مملكة البحرين، أرض البهجة والسعادة والتلاقي على المحبة والخير، وهذه هي مجالسنا، مدارسنا مثلما يقولون، نتعلم فيها أصول الحفاوة وكرم الوفادة، وعبق الضيافة وحلاوة الاستقبال.

مجالسنا مدارسنا منذ نعومة أظفارنا، شاهدناها مع آبائنا وفي مجالس أقاربنا، لقد شب كل منا على بيت مفتوح على مدار الساعة، كنا نطلق عليه منذ قديم الأزل بالبيت العود، البيت الذي يزوره كل عابر سبيل وكل سائل عن خدمة أو مساعدة، وكل وافد أو ضيف أو غريب، البيت العود هو بيت لكل الناس، مفتوع بمن فيه، بقلوب قاطنيه ومحبيه، يحتضن كل أهل الفريج، يمارس طقوسهم ويقودها ويوفر لها المناخ المناسب عند الاحتفاء بالمناسبات الدينية والوطنية والشعبية.

البيت العود يضم أكثر من مجلس، للرجال والنساء، كل على حده، وربما للشباب والأندية الرياضية القريبة من الحي أو "الفريج"، هناك والمحرق التي تربيت فيها وقبلها المنامة على حسن الجوار، على الالتحاف بالقريب والصديق واللجوء إليه عند الشدائد، المجتمع في المحرق وأيضًا في المنامة مختلف في زمانات القرن العشرين عما نشهده حاليًا من متغيرات ونحن نتوغل في القرن الحادي والعشرين، أصبحت التكنولوجيا معول افتراس أكثر من كونها صديقًا عند الشدائد، أصبح التواصل الاجتماعي وأدواته الجهنمية بديلاً في بعض الأحيان عن الزيارات الحميمية، وأصبحت بعض المجالس غير مكتظة بالرواد مثلما كان الوضع في الماضي عندما كانت تصل الأرحام، وتقرب الأجيال والأصدقاء.

البعض من رواد المجالس أصبحوا مشغولين بجهاز بحجم الكف أكثر من انشغالهم بالحديث والحوار مع مرتادي هذه المجالس، أصبح التتبع لأحاديث الناس والأعيان والوجهاء وحتى المسئولين مفعمًا على شبكات التواصل المزدحمة بالأحداث أكثر من كونه ملتقى للأحبة والأصدقاء والأهل، أصبحت الحوارات في بعض الأحيان عن بُعد، تمامًا مثلما أصبحت الحميمية عبر العالم الافتراضي المرعب.

مجالسنا لابد لها وأن تعود، لن أقول امنعوا الهواتف من الدخول، ولا من يتمادى في استخدامها بالتحذير أو التكدير لا سمح الله، لكن على الأقل هناك تكنولوجيا التفاعل الصامت، وراقبوا كل جديد، لكن لا تنسوا من جاءوا إليكم ليعيشوا لحظات كريمة في شهر كريم، لا تتركوا هواتفكم في سياراتكم لكن اجعلوها صامتة، أو على أهبة الاستعداد والانتظار مثلما هي الساعات التي نقضيها في طائرة، أو على ظهر سفينة، أو على طريق سريع غير مسموح فيه بمتابعة أي شيء سوى القيادة الحكيمة.

مجالسنا الرمضانية هي المتبقي لنا من تراث توارثناه، وعادات أحييناها فورثناها لأبنائنا وأحفادنا، مجالسنا الرمضانية حدث سنوي ننتظره حتى يعود الوئام إلى الجميع، والألفة لكل قاصد كريم، وكل عام ومجالسنا بألف خير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية