العدد 5628
الثلاثاء 12 مارس 2024
banner
الطعنة في الظهر
الثلاثاء 12 مارس 2024

تعرض اليهود للاضطهاد والتنكيل في كل أنحاء أوروبا تقريباً، العرب والمسلمون فقط هم من تعامل معهم بروح التسامح، فنجد الفيلسوف موسى بن ميمون الذي ولد في قرطبة يعمل في بلاط صلاح الدين الأيوبي، وفي الأندلس برز منهم علماء وشعراء وأطباء ومستشارون للحكام، وحين سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في قبضة فيرناندو وايزابيلا ملك إسبانيا عام ١٤٩٢ حدث اضطهاد لليهود مثلما حدث للعرب، هاجر حوالي 300 ألف يهودي بعد طردهم.. بعضهم هرب إلى إيطاليا وهناك أصرت الكنيسة على عزلهم عن السكان المسيحيين، نقلتهم إلى أحياء منعزلة أو ما أطلق عليه بالإيطالية "الجيتو" فظهر هذا المصطلح تعبيرا عن الحي اليهودي المنعزل .

في أنحاء مختلفة من أوروبا كان اضطهاد اليهود أمرا عاديا، البعض فرض عليهم ارتداء أزياء خاصة وقبعات حمراء كنوع من التحقير، وكان حكام أوروبا ينظرون إليهم كجواسيس يتلاعبون بالاقتصاد، وأصدر الملك إدوارد الأول ملك إنجلترا قراراً بطردهم سنة 1290 ثم تبعته فرنسا بعد ذلك. الحرب العالمية الأولى أطلقت حمم الكراهية الألمانية ضدهم، في هذه الحرب اشترك أكثر من 10 آلاف يهودي مع الجيش الألماني، لكن قادة الألمان عندما بدأوا يحسون أنهم سيخسرون الحرب، دخل الشك إلى قلوبهم في هؤلاء اليهود، فقاموا بسحبهم من الخطوط الأمامية، وحين انتهت الحرب أطلق الألمان مصطلح "الطعنة في الظهر" تعبيراً عن الخيانة التي تعرضوا لها. الألمان المتشددون بدأوا يرفعون أصواتهم: جيشنا لم يهزم ولكن تمت خيانته. تصاعد الفاشية الألمانية عام 1933 منح الفرصة للانتقام من الخيانة، واضطر 37000 يهودي إلى الهجرة. استمرت المقاطعة ورفع الألمان شعار: أيها الألمان دافعوا عن أنفسكم ولا تشتروا من اليهود.

مع مجيء الحرب العالمية الثانية فتحت السجون والمعسكرات لتلتهم أجساد اليهود، لكن هزيمة هتلر سمحت لجماعات اللوبي الصهيوني أن يصنعوا من الاضطهاد أسطورة ضخمة بعد أن أحاطوها بتلال الأكاذيب، زعموا أن هتلر أحرق منهم 6 ملايين في أفران الغاز، وهي كذبة أعجبت دول الحلفاء المنتصرين ففتحوا لها الطريق لشيطنة هتلر.

الفيلسوف الفرنسي الكبير روجيه جارودي كشف أكذوبة المحرقة وقال: إنه لا ينكر أن هتلر ارتكب جرائم ضد اليهود لكنه ارتكب أيضا أفظع منها ضد شعوب أخرى. وتضخيم عدد ضحايا اليهود بشكل مبالغ فيه يهدف إلى إظهار شدة المعاناة ليحصلوا على التعاطف السياسي وتدفق التعويضات المالية.

الغريب أن أوروبا التي اضطهدت اليهود وعانت من سلوكياتهم العجيبة، ألقت كرة اللهب إلى ملعب العرب، أولئك الذين لم يضطهدوا اليهود، لكنهم يدفعون الآن الثمن، يحتل الإسرائيليون أرضهم ويقتلون الشعب الفلسطيني، أوروبا طردتهم والآن تؤازرهم، هي لا تريد أن ترتد إليها كرة اللهب مرة أخرى.

الفلسطينيون الآن يتلقون الطعنات في الظهر ليس من اليهود فقط، بل من العالم أجمع.. تقبل الله صيامكم.

مدير تحرير "الأهرام"

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .