العدد 5621
الثلاثاء 05 مارس 2024
banner
النبي المسلح!
الثلاثاء 05 مارس 2024


إنه بن جوريون مؤسس دولة إسرائيل، والذي ولد عام 1886 في بولندا الخاضعة في ذلك الوقت لروسيا القيصرية، هاجر إلى فلسطين عام 1906 ليصبح أهم شخص في تأسيس الدولة العبرية. منذ لحظاته الأولى على أرض فلسطين راح يقوم بوضع الخطط العسكرية والخطوط السياسية لتحقيق حلم الدولة، دعا اليهود إلى حمل السلاح وأن يتعلموا الزراعة حتى يرتبطوا بالأرض. كان تركيزه على القوة المسلحة لأنها ضمان إقامة الدولة، قام بإنشاء فرق حراسة شعارها: بالدم والنار سقطت اليهودية.. وبالدم والنار ستقوم ثانية. هذه الفرق تحولت بعد ذلك إلى جماعة سرية مسلحة باسم "الهاجاناة". يقول: كنا نلعب بالأسلحة كالأطفال، ولم نعد نتركها أبدا، كنا نقرأ ونأكل والبنادق في أيدينا أو على أكتافنا.
بن جوريون هو نموذج للعقل وطريقة التفكير الإسرائيلي، إذا كان هرتزل هو مؤسس الحركة الصهيونية فإن بن جوريون مؤسس الدولة، أول وزير دفاع وأول رئيس وزراء لإسرائيل، هو الذي حول النظرية إلى تطبيق على الأرض. لذلك كان حتى بعد تقاعده يملك كلمة نافذة في إسرائيل دون الاعتماد على حزب سياسي، وفي الأزمات السياسية الكبرى يهرع إليه السياسيون من أقصى اليمين واليسار يلتمسون لديه الحلول لكل مشكلة، وحتى الآن معظم ساسة إسرائيل يتحدثون لغته ويحفظون أقواله ووصاياه: يجب علينا أن نتكلم عن السلام كأننا لن نحارب، ونتكلم عن الحرب كأننا لا نريد السلام، بن جوريون هذا الذي وصفه كاتب إسرائيلي بالنبي المسلح كان سياسياً واقعياً بعيد النظر، فقد طالب بعد حرب 1967 بإقامة دولة في الضفة الغربية لها استقلال ذاتي ترتبط بمصالح اقتصادية مع إسرائيل. وكان الأشد غرابة ما كتبه في مذكراته عن غزة كأنه يقرأ من كتاب مفتوح، كتب يقول: إن غزة في حد ذاتها تمثل ألما في العنق في جميع الأحوال، ولن نشك في أن اللاجئين وغيرهم سيقومون بأعمال إرهابية، فهل نستطيع سحقهم. إن غزة لعنة وخطر في جميع الأحوال، وعلينا أن لا نعرض أمننا للخطر في المستقبل، وأن نصبح منبوذين في العالم .
هذا الكلام يطرح عدة أسئلة: كيف لا يفطن قادة إسرائيل إلى رؤية مؤسس الدولة؟ وكيف يقدمون على تدمير غزة بهذه البشاعة ويصبحون منبوذين من العالم؟!
هل الأمر مجرد خلاف فى الرأي بين أنصار الحرب وأنصار السلام أم أن ملفات فساد سوف تفتح وأن نتنياهو قد يجد نفسه في السجن؟ إجابة مثل هذه الأسئلة تكفي لتفسير الكثير مما يحدث في غزة.

مدير تحرير "الأهرام"

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية