العدد 5614
الثلاثاء 27 فبراير 2024
banner
الدولة الوظيفية
الثلاثاء 27 فبراير 2024

يحاول الاستعمار دائما أن يحول الأقليات إلى جماعات وظيفية تضطلع بوظائف معينة، وعلى نفس السياق جعل من إسرائيل دولة وظيفية بامتياز أي تم صنعها لوظيفة خاصة، لتكون شوكة في خاصرة العالم العربي. نابليون بونابرت أول من تحدث عن دولة لليهود في فلسطين أثناء الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798. كان يعمل على إنشاء امبراطورية فرنسية في الشرق ويحتاج إلى اليهود ليوظفهم لتحقيق أهدافه، وأثناء حصاره مدينة عكا قام بتوجيه بيان وعدهم خلاله بأن يعيدهم إلى القدس، قائلا: إن كانت الظروف غير ملائمة للتصريح بمطالبكم، بل وإرغامكم على التخلي عنها، فإن فرنسا تقدم لكم إرث إسرائيل في هذا الوقت بالذات.
فشلت حملة نابليون على مصر، وكذلك مشروعه لتوطين اليهود، لكن كلماته نبهت تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية إلى إمكانية استفادة اليهود من الاستعمار لتحقيق حلم إنشاء الدولة في فلسطين. كما نبهت بريطانيا أيضا إلى ضرورة السيطرة على مصر وأهمية إنشاء دولة يهودية تساعدها في تحقيق أهدافها الاستعمارية. فعملت على إنشاء أول قنصلية أوروبية في القدس عام 1838، وبعد معاهدة 1840 التي أجبرت والي مصر محمد على سحب جيوشه من الشام أرسل رئيس وزراء بريطانيا إلى سفيره في القسطنطينية ينبهه إلى أهمية موافقة السلطان العثماني على السماح بهجرة اليهود إلى فلسطين. تلقف المفكرون الصهاينة اهتمام بريطانيا بتهجير اليهود وبدأوا يطرحون أفكارا تربطهم بالامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لإنقاذ اليهود من الاضطهاد الذي يلاقونه، خصوصا في أوروبا الشرقية. واستطاع هرتزل أن يبلور الأهداف والأحلام في وثيقة واضحة من خلال كتابه "الدولة اليهودية" الذي نشره عام 1896 ويعتبر دستور الحركة الصهيونية. كتاب هرتزل تحدث عن كيفية احتلال الأراضي الفلسطينية بشكل صريح، وأن تكون دولته رأس حربة لأوروبا الاستعمارية.
منذ البداية حددت الحركة الصهيونية استراتيجيتها ووضعت وسائل تحقيق أهدافها سواء بعقد المؤتمرات أو إنشاء الشركات والبنوك والمستوطنات، وتكوين العصابات المسلحة، وكذلك إنشاء الجامعة العبرية في القدس عام 1925 إدراكا لأهمية الجامعة في بناء الدولة.
الشاهد أن الدولة العبرية تخلقت من رحم الاستعمار والوعود البلفورية لنابليون وبلفور، وصولاً إلى الوعود الأميركية لحمايتها بعد أن استوت على عودها دولة استعمارية تقوم بعمليات إبادة للفلسطينيين.
من كل ذلك أصبحنا نوقن بأن هزيمة إسرائيل تعني هزيمة القوى الاستعمارية الكبرى، وهو شيء أصبح معروفاً يقينا بعد استخدام أميركا الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن لصالح إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة.. فيتو يمنع إيقاف الإبادة ضد الفلسطينيين.
رغم كل ذلك يبدو الصراع مع إسرائيل كدولة يمكن الانتصار فيه كما حدث في حرب أكتوبر 1973 لكن هزيمة الدولة الوظيفية يبدو غير ممكن لأنه محكوم بقوى كبرى تستفيد من دورها ووظيفتها، وتلك هي المعضلة.

مدير تحرير "الأهرام"

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية