العدد 5620
الإثنين 04 مارس 2024
banner
“تمكين”.. البحرنة و “الخاص”
الإثنين 04 مارس 2024

كان كل شيء يحتاج لتغيير، حتى جاء صندوق العمل “تمكين” بإحداث هذا التغيير، ولأن التغيير كان ملحًا في هذه السوق المتقلب دائمًا سوق “القطاع الخاص” ومريديه، والبحرنة والمطالبين بها، وإعادة تنظيم المردود وتعظيمه والتركيز عليه، فإن تأسيس “تمكين” كان يرمي في المقام الأول إلى تعزيز وضع العمالة الوطنية في مؤسسات القطاع الخاص، بل وجعل المواطن البحريني هو الخيار المفضل لدى رجال الأعمال حتى يتحقق الإحلال التدريجي في الوظائف المهمة، وتلك التي كان يشغلها أجانب في حين تتوفر لدينا منها العمالة الماهرة، والأجيال الواعدة، والمحترفين القادرين على تسريع عجلة النمو.
لقد كان الهدف ومازال هو ربط أضلاع ذلك المثلث ببعضها البعض (تمكين + بحرنة + قطاع خاص)، هذا الارتباط المحوري يعني دور طليعي متوقع لصندوق العمل، وتوفير وظائف للمواطنين وتشجيع مؤسسات القطاع الخاص على تشغيلهم، ثم قطاع خاص قادر على المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بكل كفاءة واقتدار.
وها نحن اليوم وبعد مرور سنوات ليست بالقليلة على تأسيس “تمكين”، بل وعلى قيامه بأدوار لم يسبق لها مثيل في دعم ما يسمى بالتنمية البشرية، نشعر بأن الصندوق سيقوم بدور أكثر تكثيفا باتجاه دعم مؤسسات القطاع الخاص، خاصة تلك التي ترتفع بها نسبة العمالة الوطنية بشكل “مُرضٍ” ومطرد، وأن يكون هذا الدعم تصاعديا مع زيادة نسبة توطين الوظائف بمرور الوقت.
إن اقتصادنا الوطني يحلق دائما بجناحين أحدهما عام -أي حكومي- والآخر خاص، ولا يمكن لطائر الاقتصاد القوي أن يبقى على جدارته من دون أن تتحقق المشاركة الكاملة بين القطاعين في كل مفردات ماكينة التنمية الاقتصادية.
للأسف الشديد ورغم هذه الحقيقة أن كلا القطاعين الحكومي والخاص هما مكونان أساسيان لهذا الاقتصاد، فإن البعض ينظر إلى القطاع الخاص على أنه يغلب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وأن ما يحصل عليه من دعم لابد وأن يكون أقل مما يحصل عليه القطاع العام خاصة في مجال الدعاية والإعلان والإعلام والتسويق والنشر وغيرها من آليات الترويج المستمر لأنشطة كل قطاع.
الحقيقة أن كلا القطاعين يمثلان الدولة، كلاهما بحريني ووطني ومصالحه مرتبطة بمصالح هذا الوطن، لا فرق بين عام أو خاص في الانتماء، في معدل الوفاء لكل حبة من حبات بحريننا الغالية.
إن التنمية الاقتصادية في الدول المتقدمة، لا تنظر بتعال للقطاع الخاص، ولا تعتبره دخيلا على منظومة الرعاية والدعم، بل إنها لا تفرق بين عام وخاص عندما يكون الأمر متعلقا بجذب التكنولوجيا وتوطينها وتعميق محتواها وتأكيد مكونها التنموي الفارق.
من هنا ارتأينا أن أعظم وأهم الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية نشأت ومازالت خاصة، يمتلكها أشخاص مثل هارفارد وبرينستون وستنافورد ومعهد إم.آي.تي وغيرها، تماما مثلما هي شركات التكنولوجيا العملاقة التي تسيطر على أداءات بورصة الأوراق المالية وعلى مؤشرات نازداك وغيرها، هي شركات فردية وشديدة الخصوصية، ولم تتحول إلى شركات مساهمة عامة إلا بعد أن حققت نجاحات باهرة في نطاق الاختراعات العلمية ووضع الولايات المتحدة على رأس الدول المتقدمة وتلك التي تحاول أن تظل كرأس دبوس محوري، إذا تحرك.. تحرك الكون كله، وإذا تعطل.. تعطلت سبل ووسائل الحياة على الأرض.
إن دور “تمكين” مهم، وتاريخي، ويضع مؤسساتنا الخاصة على طريق توطين التكنولوجيا وإنتاجها بدلاً من استهلاكها وانتظار الوارد إلينا من الخارج وكأننا ننتظر المساعدة من الآخرين لأننا غير قادرين على إدارة وتدوير عجلة إنتاجنا بأنفسنا، ولأننا لا ندرك أنه باستخدام العمالة الوطنية المؤهلة يمكننا أن نحقق الكثير على طريق مضاعفة الإنتاجية والتي لها عشرات الحسابات والمعايير والمقاييس الدقيقة.
دور “تمكين” محوري وتاريخي، وأمامها فرصة عمر لكي ترتقي بالقطاع الخاص وتضعه في مكانة متقدمة تفي تمامًا بل وتحقق رؤية مملكة البحرين الاقتصادية للعامين 2030 و 2050، ومن يدري؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية