العدد 5584
الأحد 28 يناير 2024
banner
أهلاً بكم!!
الأحد 28 يناير 2024

استقبلت جامعاتنا اعتبارا من الأسبوع الماضي طلبتها المنتظمين في الفصل الدراسي الثاني من هذا العام 2023 - 2024. بدأ العام هادئًا، رغم توافد آلاف الطلاب على كلياتهم، ورغم انتظام الجهازين الأكاديمي والإداري في الجامعات، رغم الراحة التي استهلكت كل مخزون السكينة لدى البعض، وكل عوامل الإعداد والتجهيز لدى البعض الآخر.
بدأنا فصل دراسي جديد، وكلنا أمل في أن تكون وتيرته متوافقة مع سرعات الطلبة، مع قدراتهم، وتخصصاتهم، ونوعية دراستهم، وكيفية الدخول إلى ضربة البداية بأمل. بدأ الفصل الدراسي الحاسم هذه السنة والطلبة منشغلون في كيفية تعويض ما فات، وفي تحصيل ما يمكن تحصيله قبل مرور الوقت مسرعًا، بل وقبل نزيف الدقائق الأخيرة من شرايين المرحلة.
بالفعل شاهدت إقبالا، لكنني رأيت أبعد من مجرد ما يمكن وقوع النظر عليه، شاهدت عددا لا بأس به من المنضبطين، ورأيت تأملا في عيون البعض منهم، قلقًا على درجات، ألقًا مرسومًا، وتفوقًا محسوبًا على تقديرات، وقائمًا على بروتوكولات، ومعتمدًا من معايير وحسابات.
رأيت الطموح وهو يتخلل خُطا البعض، والتردد وهو يتسلل لأقدام البعض الآخر، رأيت مثلاً مناهج تحاكي علوم المستقبل، وبرامج دراسية وتخصصات تتوافق مع طموحات الطلبة ورغباتهم في تحويل العلوم والفنون والآداب إلى منهج بحثي معتبر، بينما يتجلى البعض ويعتقدون أن في هذا الفصل لو كان أخيرًا في مشوارهم الأكاديمي فإنه سيمثل فرصة ذهبية للبحث عن وظيفة مناسبة، أو موقع عمل يتفق مع التخصص الذي وقع عليه اختيار هؤلاء البعض من الطلبة.
فصل دراسي جديد ندخله وعيوننا على ثورة التقدم العلمي الهائلة التي امتلأت بها المكتبات الإلكترونية، والجامعات العالمية، والمجلات البحثية السباقة، فصل دراسي يتحدث عن الذكاء الاصطناعي وهو يتدخل بإصرار في إدارة السمعة ورسم الشخصية، وتكوين الصورة الذهنية للناس عن الناس، وتابعت عن شغف هؤلاء المبشرين بآليات تكنولوجية جديدة تحطم جميع الأرقام القياسية الزمنية المثالية لإنجاز المهام المختلفة، وتلك التي يحتاجها الموظف لكي يكتسب ميزة تنافسية عملية إضافية حتى يؤدي مهامه في قطاع الخدمات مثلاً بما يتوافق مع الإمكانات الجديدة المتاحة، ومع ثورة المعلومات الفائقة.
قديما قلنا: اطلبوا العلم ولو في الصين، قياسا إلى المسافة البعيدة التي تفصلنا عن دولة بحجم الصين، واليوم نقول: لا حاجة للذهاب إلى الصين لكي نطلب العلم أو نتلقاه، لا حاجة تذكر لكي نطلع على أمهات العلوم والفنون من قلب المصدر الأساسي للعلم والمعلومة، حيث إن ذلك سوف يأتي إليك على طبق من ذهب وأنت في عقر دارك، بل وأنت في مكانك أينما كنت وفي أي وقت، ستكون فكرة “الديلفري” معمولا بها لتوصيل الطلبات العلمية والتعليمية إلى المنازل، سيتحقق ذلك بأقل الأسعار وأقصر الطرق، وأوفر الوسائل وأسرع وسائل اتصال زمنية.
لكن ما هو دور الجامعات؟ للجامعات دور بكل تأكيد، للجامعات مكان ومكانة لتوفير هذا العلم للطلبة من خلال البحث العلمي المستدام، ومعامل التجارب المجهزة والباهظة التكاليف والتي لا يمكن توفيرها فرديًا لكل بني الإنسان. رغم ذلك، فإن جامعاتنا سوف تواجه تحديا من نوع جديد يرتبط بما يسمى بـ ”سوء الفهم وإشكالية الاعتقاد”، ذلك أن المفهوم السطحي لمستقبل التعليم يفرض تفكيرًا متسرعًا عن طريقة تحصيل العلوم، عن وسائل وآليات توصيلها للطالب، وعن توقيتات توفرها وإذا ما كان “الديلفري” يكفي، أم أن ذلك يعتبر فتحًا جديدًا في مرحلة وعلينا الانتباه لكي لا يتحول هذا الفتح إلى فخ، وكل عام وأنتم بخير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية