العدد 5577
الأحد 21 يناير 2024
banner
تصنيع البحث العلمي
الأحد 21 يناير 2024

لم يكن أمامنا مفر من أن نترك النوافذ كلها مفتوحة للقيل والقال، للنظريات لكي تدلي بدلوها، والاجتهادات ربما تفي بالغرض، البحث العلمي الذي طالما نادينا به، والذي وضع جامعتنا الأهلية في مكان متقدم نفخر به من بين جامعات المنطقة، لا يمكن أن يظل هكذا وطول العمر لقيطا من دون رعاية، وحيدا من دون طريق أو رفيق، كان لابد لنا أن نعثر له على أب شرعي، على ممول أبدي لا يمد اليد، ولا يشكو ضنك العيش، كان لابد ألا نكتفي بالمقارنة بين إنفاق الحكومات العربية على البحث العلمي مقارنة بإسرائيل مثلًا، وكان لابد أن نخرج من عباءة الأبوية الفكرية، والرعاية الأبدية للدولة، وأن نتحرك باستقلالية بعيدًا عن أطروحات اليوم السابق.
من هنا كان لابد من التفكير خارج الصندوق التجاري الآسيوي، سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية حولت البحث العلمي إلى صناعة، إلى مؤسسات تحت الطلب، إلى شركات لحل العقد والمعضلات الفكرية والمشكلات التي تواجه الصناعة والزراعة والسياحة وحتى التعليم والثقافة، من هنا انبرت الجامعات ومراكز البحث العلمي لكي تقود حملات وفرق وجماعات بحث لحل مشكلات المجتمع، لا أن تصبح في حد ذاتها مشكلة.
وبالفعل نجحت الجامعات في كوريا الجنوبية بإيجاد حلول تسويقية لشركة هيونداي لتصنيع السيارات عندما كانت تشكو ضيق اليد وتراجع المبيعات، ونجحت المراكز البحثية في سنغافورة لأن تنقل البلاد والعباد من خانة الدولة الفقيرة المعوزة إلى دولة الخدمات الممتازة، تمامًا مثلما نجح مهاتير بن محمد في نقل ماليزيا إلى منطقة أخرى متقدمة من العالم عن طريق مشروعه البحثي الكبير “وادي السليكون”.
وهكذا أمامنا وخلفنا من التجارب الكثير، ولحسن الطالع لا يمكننا القول بأن قطار الفرصة الذهبية قد ذهب ولن يعود، أو أن مساحة الرؤية أصبحت ضيقة ولم تعد كافية لكي نرى بعين حصيف كل المجالات التي تتيح لنا تحويل البحث العلمي إلى صناعة، إلى مشروع وطني كبير يقوده رجال أعمال ومؤسسات حكومية وخاصة، حتى تكون لدينا مؤسسات بحث علمي متخصصة في إيجاد حلول جذرية لكافة مشكلات الحياة لدينا، هنا نحتاج لدولة كي تمولنا فالدولة أعباؤها كثيرة، ولا لفرصة ذهبية من السماء لعل وعسى، وهنا يمكن نقل بلادنا إلى أن تكون المركز الإشعاعي والحضاري الذي طالما حلمنا به ليس من أجل مملكة البحرين وحدها ولكن من أجل الدول الشقيقة المجاورة أيضًا، ليس لكي يكون الخير القادم محصورًا في مملكتنا الفتية والسلام حيث إن التنوير لا يمكن حبسه في قفص، أو حدود، أو داخل قمقم القطرية الضيق، لذا نحن بانتظار حوار مجتمعي داخل المؤسسات المعنية من أجل أن يتحول البحث العلمي إلى صناعة عملاقة تحل لنا مشكلاتنا، وتعيننا على تطوير وتحسين جودة الحياة من حولنا، حوار مجتمعي تشارك فيه الدولة والجامعات ورجال الأعمال والمصانع العملاقة والشركات الكبرى، هنا يمكن أن نبدأ، وهنا يمكن ألا نكون أقل من غيرنا، والله الموفق والمستعان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .