في ظل المتغيرات الجيوسياسية الراهنة وما تشهده من تقلبات، تصبح قضية الاستقلال التكنولوجي لدولنا أمرًا ذا أهمية متزايدة، الأحداث الأخيرة التي أبرزتها تقارير رويترز، والتي أجبرت فيها الإدارة الأميركية شركة مدعومة من أرامكو على بيع حصتها في مشروع تكنولوجي ناشئ، تُعد دليلاً صارخًا على هذه الضرورة.
التدخلات الدولية التي تفرض قيودًا على الاستثمارات وتصدير التكنولوجيا المتقدمة تُظهر كيف يمكن أن يصبح الأمن التكنولوجي والابتكار رهنًا للقرارات الخارجية. لم يعد مقبولًا الاعتماد على الدول الأخرى في تلبية احتياجاتنا التكنولوجية، خصوصا في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، الذي يُعتبر العمود الفقري لتطور الصناعات في العصر الحديث. لذا، يجب أن تولي دولنا اهتمامًا كبيرًا لتطوير الكوادر الوطنية وتأهيلها بما يتناسب مع التحديات التكنولوجية المعاصرة. يتطلب الأمر تعزيز البرامج التعليمية والتدريبية لتشمل تخصصات متقدمة مثل البرمجة، الأمن السيبراني، تحليل البيانات الضخمة، والحوسبة السحابية، كما ينبغي لها الاستثمار في البحث والتطوير، وتوفير الدعم للشركات الناشئة الوطنية لتشجيع الابتكار والاستقلالية.
من الضروري أيضًا تشجيع الشباب على الاستكشاف والابتكار في المجالات التكنولوجية وإتاحة الفرص لهم لتطبيق مشاريعهم وأفكارهم. يجب أن تكون الحكومات شريكًا فعالًا في هذه العملية، بتوفير البنية التحتية اللازمة وسياسات داعمة تسهل الإبداع والتطوير.
الطريق نحو تحقيق استقلالية تكنولوجية قد يكون طويلاً ومليئًا بالتحديات، لكنه ليس مستحيلاً. بتوجيه الاستثمارات نحو بناء القدرات الوطنية وتعزيز البنية التحتية التكنولوجية، وتنمية الكوادر الشبابية، سنتمكن من رسم مستقبل تكنولوجي يعتمد على الخبرات والمواهب الوطنية. ستكون هذه الجهود بمثابة الأساس الذي يمكن من خلاله لدول المنطقة أن تضمن لنفسها مكانًا في طليعة الابتكار العالمي وتنافس بقوة في سوق العمل العالمية.
في الختام، الاستقلال التكنولوجي ليس مجرد خيار بل ضرورة استراتيجية، وهو ما يتطلب بذل جهود مستمرة ومنسقة لبناء جيل جديد قادر على قيادة النهضة التكنولوجية وتعزيز الأمن القومي والاستقلال الاقتصادي. الوقت الآن لتكون التكنولوجيا ليست فقط وسيلة للتطور، بل رمزًا للسيادة والكرامة الوطنية.
خبير تقني