في مطلع مايو 2016م، تحدّث رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمام مجلس الأمن الدولي السيد بيتر ماورير عن ضرورة توفير الحماية الواجبة لمرافق الرعاية الصحية وموظفيها في حالة نشوب الحروب الطاحنة واندلاع المنازعات المسلحة، مؤكداً أنّ الحروب إذا ما وقعت، تكون بلا حدود وليست لها نهايات، وهُو الأمر المُحزن إذا ما بقيت الطواقم الطبية ومرافقوها في الواجهة الأمامية وتم تعريضهم للخطر الداهم، فيُصيبهم ما يُصيب عامة السكان الأبرياء لحظة استهداف سلسلة من تلك المرافق والطواقم خارج نطاق ميادين المعارك المفتوحة في كل أرجاء العالم.

هذه الجدلية التي يُدين فيها الجميع بـ "الفضل" في العلاج والتماثل للشفاء إلى المستشفيات ومرافقها المُهيَئَة، وإلى الأطباء وكوادرهم المُتخصِصَة في حالات الرخاء والسّلم؛ فإنّها تُلقي بتداعيات نزاعاتها المُسلحة وآثارها المدّمرة – حتمّاً - على مرافق الاستشفاء المختلفة وتهديد الفريق المُعالج وإجبار طاقم الممرضات من أجل إعطاء أولوية العلاج للأطراف المُتقاتلة التي – من المؤسف - تختطف سيارات الإسعاف وتستخدم المرضى دروعاً بشرية في مشاهد مرعبة؛ تُحتّم على متخذي القرار العالميين إرجاع "هيبة" الطبيب وشرف المهنة التي كثيراً ما يُعوّل عليها جدلية (فارق) الحياة والموت في إنقاذ الأجساد المكسورة ولملمة الأعضاء المجروحة، بل وإعطائها الأمل في العيش وتكريس المساحة الإنسانية أثناء القلاقل والحروب وفق ما نصّت عليه اتفاقيات جنيف الدولية.

نافلة:

المستشفى الأهلي العربي – المعروف بالمستشفى "المعمداني" وتُشرف عليه جمعية الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية – بدأ العمل فيه بحيّ الزيتون جنوب قطاع غزة من الوطن الفلسطيني العربي المُحتّل قبل أكثر من (120) عاماً. هذا المشفى الذي غصّت ساحاته بما لا يقل عن (6000) جريح ونازح من النساء والأطفال الأبرياء، تحوّل مع أولى ساعات ليل السابع عشر من أكتوبر الجاري إلى بركة دم أحمرٍ قانٍ على يد أعداء الإنسانية وقتلة الأنبياء وكاسري الأعراف والقوانين وناكثي العهود والمواثيق حتى تناثرت في أفنيته أجساد الضحايا العُزّل وتفرقّت أشلاؤهم الممُزقة على ممراته المُهدمة وتباعدت أطرافهم المحترقة تحت أبنيته المُدمرة؛ ليختلط دم الجريح بالطبيب في مجزرة بشعة يندى لها جبين البشرية جمعاء.

كاتب وأكاديمي بحريني