يُعبر عنها بالمُشكل العميق في ثقافة الوعي وقواعد الأخلاق وأساليب الحياة التي تتأرجح ما بين تسقيط الآخرين في أفكارهم ومشاريعهم بمختلف مستويات الفكر والثقافة والاجتماع و... إلخ، وما بين تسقيط الأشخاص - حقيقيّين أو اعتباريين - في تشكيلات مؤسساتهم أو جمعياتهم أو مراكزهم أو أنديتهم أو تجمعاتهم المختلفة لمجرد الشك في "انعدام" صوابية ذلك الفكر أو المنهج وما ينتج عنهما من فساد وضرّر بالفرد والمجتمع على حدّ سواء، بعد حزمة من التجاوزات البّينة في أدبيات النقد ومعايير التفنيد التي استوطنتها أدوات الإغلاق الموصدة في محيط من الكذب والدجل والتلاعب والتضليل التي تتجنب محاربة الأفكار، وتتعمد تسقيط الأشخاص وربطهم بالتيارات المُلتبسة دون دليل قطعي أو برهان حجّي.
تستحضر آفة "التسقيط" قصة استخفاف الحيوانات بذلك الفأر الصغير عندما رأى ذات يوم مصيدة، فاندفع في أرجاء المزرعة يصيح كالمجنون: يا ويلنا لقد جاءوا بمصيدة، حتى استهانت به الدجاجة بقولها: اصمتْ يا قارض الأخشاب! وكذا الخروف الذي استصغره بقوله: يا قاطع الحبال! فيما استخفّت به البقرة بوصفها له بسارق الطعام! وبعد أنْ تبيّن استحقارهم له حدّ التقليل من شأنه، قرّر أنْ يبتعد عن مكمن الخطر وينام قرير العين. وفجأة شقّ سكون تلك الليلة صوت المصيدة التي أطبقت على ذيل ثعبان لتأتي صاحبة المزرعة في سواد الظلمة وتُمسك بالثعبان، فيعضّها حتى ارتفعت درجة حرارتها، فذبحوا لها الدجاجة لتوفير الحساء، ثم تدفق الأهل والجيران لتفقد أحوالها، فكان لابد من ذبح الخروف لإطعامهم. لكن المرأة المسكينة تُوفيت بعد صراع مع السّموم دام عدة أيام، وجاء المعزون بالمئات، فاضطروا إلى ذبح البقرة لتوفير الطعام لهم!

نافلة:  
لم تترك الشريعة السمحاء ما له من صلة باستخفاف الآخر الذي يصل إلى درجة تسقيطه بالقول أو الفعل دون حدّ شرعي. وكذا هي معظم القوانين الوضعية التي أقرّت عقوبة لحفظ السّمعة وصون الكرامة بعدما بلغه حال "التسقيط" وتقليل الشأن من حدّ عظيم وداء مؤلم استوجب المُعالجة الطارئة لما آلَ إليه الأمر كـ "ثقافة" قائمة على التّصفية التي أذهبت الهيبة وأفقدت المكانة. وهي لا تعني بطبيعة الحال مطلق النقد بعد أنْ أضحت محاولة "اغتيال" معنوية لـ "حذف" الفرد والمجتمع في أجواء من التشفّي والانتقام عوضاً عن تحصيل المنجزات ومضاعفة الإمكانات في قالب ثورة أخلاقيّة وتوعيّة ثقافيّة.

كاتب وأكاديمي بحريني