العدد 5441
الخميس 07 سبتمبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
شرُّ البلية ما لا يضحك
الخميس 07 سبتمبر 2023

يوصف الثعلب بالخبث وقلة الوفاء، مع أنه ينتمي لعائلة الكلاب، فمن صفاته الجبن، يسري ليلا بحثا عن فريسته، يتغذى على كل شيء: الفئران والأرانب والدجاج والفواكه والطيور وبقايا طعام الحيوانات، وحتى القمامة، ويضرب به المثل في الخبث والتلون والقدرة على التخفي لنيل مراده، ويوجد عدد من الثعالب البشرية في حياتنا تماثل تلك الثعالب الحقيقية، لكن أن يظهر مثل هؤلاء بلباس الناسكين هي المشكلة، فهم تجمعهم صفات على تعدد ألوانهم، فإذا “تحدّثوا كذبوا وإذا أتمنوا خانوا، وإذا خاصموا فجروا”، منهم من يتزين بالأخضر والأحمر والأزرق والأبيض، ومنهم المزركش، حتى أنك تعجز عن التعرف على لونه الحقيقي، والمهم أن هؤلاء شرّ البلية التي لا تضحك في حياتنا.

أوهمونا بأنهم نُسَّاك الزمان وآخر الزمان. أعماقهم تبطن عكس ما يظهرون، وفي قلوبهم مرض ومرض، وفي أنفسهم خسة وقلّة صدق وفقر دم في النزاهة، ولذلك أسَّسوا طريق الآلام والأوهام والأكاذيب.

إن أسوأ ما يمكن أن نُصاب به في حياتنا هو أن نصدم في من كنا نعتقد أنهم نُسّاك فكر وقيم ومبادئ، وأصحاب استقامة ونزاهة، فإذا بهم نُساك مزيفون، ومع الزمن يدرك الجميع أن وجود أمثال هؤلاء في حياتنا مزعج، لكن بمجرد اكتشاف حقيقتهم، لا أحد يكترث بهم أو لهم، رغم ارتفاع أصواتهم، فلا صدقية لأقوالهم، ولا مصداقية لتصريحاتهم، لأنهم يفتقرون لروح الحياة وجوهرها، كما يفتقرون للإنسانية والشرف.


لأمير الشعراء قصيدة مخصصة لأحد الثعالب النُّساك:


بَرزَ الثعلبُ يوماً في شِعار الواعظينا..
 فمشى في الأرضِ يَهدي ويَسُبُّ الماكرينا..
ويقولُ: الحمدُ للّــهِ إلهِ العالَمينا..
يا عبادَ اللهِ تُوبُوا فَهْوَ كَهفُ التائبينا..
وازهدُوا في الطَّيرِ إنّ الــعَيشَ عيشُ الزاهدينا..
 واطلُبوا الدِّيكَ يؤذِّنْ لصلاةِ الصبحِ فينا..
فأتى الديك رسولٌ مِن إمامِ الناسكينا..
 عرضَ الأمرَ عليهِ وهْو يَرجو أنْ يَلينا..
فأجابَ الديكُ: عُذراً يا أضَلَّ المُهتدينا!..
 بَلِّغِ الثعلبَ عنيّ عن جُدودِي الصالحينا..
عن ذوي التِّيجانِ مِمّنْ دَخَلَ البطنَ اللَّعينا..
 أَنّهم قالوا وخَيرُ الـقَولِ قَولُ العارفينا..
مُخطِئٌ مَن ظَنَّ يَوماً أنّ لِلثَّعلبِ دِينا.


* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .