العدد 5331
السبت 20 مايو 2023
banner
لسلام العالم.. أوقفوا هذه الحرب
السبت 20 مايو 2023

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 لم يتعرض السلام العالمي لخطر جدي كما يتعرض له الآن بفعل التداعيات الخطيرة المضطردة للحرب الروسية الأوكرانية منذ أكثر من عام، وكل يوم جديد يمضي عليها ينذر بأوخم العواقب على الشعبين الأوكراني والروسي، فضلا عن العالم برمته، فالحروب الكبرى إنما تتأجج نيرانها من مستصغر الشرر، والحرب الأوكرانية التي تبدو "محدودة" جغرافيا مرشحة لأن تتحول - لا سمح الله - إلى حرب عالمية ثالثة؛ نظراً إلى أن من تلعب على ساحتها الأوكرانية هي قوى عظمى نووية متصارعة، الأولى وهي روسيا التي تخوضها مباشرة عسكرياً ضد أوكرانيا الأضعف منها، لكنها مدعومة بالمساعدات العسكرية بلا حدود بشتى الأسلحة المتطورة، وبمئات مليارات الدولارات المتدفقة على خزينتها من قِبل الولايات المتحدة ودول "الناتو" والاتحاد الأُوروبي. وإذا كان التصعيد ما فتئ متبادلاً بين الطرفين المتحاربين، فإن رهان كليهما بإبقاء الحرب مفتوحة حتى يتعب الآخر أو يلمح بقبول شروط الأول كاملة، أو شبه كاملة، هو رهان جنوني كارثي حقاً، يدفع ثمنه العالم بأكمله، ليس أقله الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة.
وفيما يتعلق بروسيا فهي إذ ألقت المسؤولية الكاملة على أوكرانيا بالشراكة مع حلفائها الكبار (الولايات المتحدة والناتو) متهكمة عليهم بأنهم "قرروا خوضها حتى آخر جندي أوكراني"، نيابة عن جيوشهم، فإنها لا تريد من جانبها أن تخسر هيبتها وكرامتها الدولية وأمام شعبها بالخروج من الحرب التي تورطت فيها صفر اليدين، حتى لو اقتضى الأمر جعلها حرباً مفتوحة إلى أجل غير مسمى!
وإذا كانت الصين القوة العظمى النووية الصديقة لروسيا تحاذر من إعلان تحالفها السياسي والعسكري مع موسكو أو دعمها عسكرياً، فلا أحد بوسعه أن يقطع أنها عند أي تطور خطير من تداعيات الحرب ستبقى على حيادها الهش الظاهري، إذ ما إن ترى أن مصالحها السياسية والاقتصادية معرضة للخطر الفعلي من جانب الغرب، لن تتردد عن إعلان تحالفها العسكري المباشر مع روسيا، وحينئذ ستكون القوى الدولية النووية المعنية مجتمعة على حافة الانزلاق إلى هاوية حرب عالمية ثالثة لا مأمن من تحولها إلى حرب نووية مخيفة تهدد وجود البشرية والحياة على كوكبنا. 
لنتذكر بأن الحربين العالميتين الأولى والثانية لم تتحولا إلى حربين عالميتين فور اندلاع شرارتهما، بل كلتاهما بدأت محدودة، كما أن العقوبات الاقتصادية هي من وسائل الضغط والحروب النفسية بين الأطراف المتنازعة المفضية لاندلاع الحروب الكبيرة، وهذا بالضبط ما يمارسه حلفاء أوكرانيا الغربيون بحق روسيا بقيادة الولايات المتحدة، سيما في ظل محاولة الأخيرة ممارسة ضغوطها على دول عديدة لجرها للاصطفاف معها في سلاح العقوبات ضد روسيا، ضاربة عرض الحائط القانون الدولي والنظم والأعراف الدبلوماسية.
كما أن الحروب الخطيرة تلقي بظلالها السوداء على مجمل الاقتصاد العالمي، من تضخم، وتأثير على العرض والطلب عالمياً، والأسعار، ورسوم الشحن وتأمين النقل وشح التوزيع والاستيراد.. إلخ.
وفي ضوء هذا الاستقطاب الحالي الشديد الذي يشهده العالم حول الحرب الروسية الأوكرانية، وغياب مبادرات تسوية من قِبل جهات ودول محايدة وازنة وموثوقة من قِبل الطرفين، فضلاً عن تشكيك الغرب في نزاهة المبادرة الصينية، ناهيك عن شلل دور الأمم المتحدة في حفظ السلم العالمي، والمرتهن لإرادة دول مجلس الأمن صاحبة الفيتو، وعلى رأسها الولايات المتحدة، نقول: في ضوء كل ذلك، فإنه لا يصح للمجتمع الدولي أن يقف موقف المتفرج حتى يصحو يوماً ونيران الحرب المحدودة امتدت إلى عقر ديار أعضائه، إذ إن على عاتق دول العالم أجمع وشعوبها، ومنظمات السلم الأهلية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني الوطنية والاتحادية الدولية المتضررة شعوبها من الحرب أن تبادر معاً سريعاً إلى ممارسة أقصى أشكال ضغوطها المتعددة لوقف تلك الحرب من أجل سلامها وسلام العالم، هذا إذا ما تمكنت مقدما بأن تتحلى بإرادة حرة نزيهة مستقلة بعيدة كل البعد عن إرادات ومصالح القوى الكبرى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .