العدد 5324
السبت 13 مايو 2023
banner
كيف أصبح طه حسين وزيراً؟
السبت 13 مايو 2023

لعل مصر الملكية تتفرد في المجتمع الدولي في زمانها - إن لم يكن حتى في زماننا - بأنها أول دولة في العالم تسند وزارة من وزاراتها إلى شخصية كفيفة، ألا وهو عميد الأدب العربي طه حسين، وذلك عندما عيّنه مصطفى النحاس باشا، زعيم حزب الوفد وصاحب المقاعد الأكثر عدداً في البرلمان وزيراً للمعارف، وذلك في التشكيل الوزاري الصادر في يناير 1950، والذي لم يستمر أكثر من سنة واحدة، بسبب اضطراب الحياة السياسية قبيل ثورة 1952.
من نافلة القول أن ذلك التعيين لم يكن يشين سمعة الحكومة البتة أو الدولة المصرية آنذاك، لا بل على العكس تماماً، فهو يزيد ويزين سمعتها، لما يتمتع به العميد من ثقافة أدبية وفكرية وعلمية رفيعة المستوى، فضلا عن خصلته في التجرد والشرف والأمانة. ومع ذلك فقد كان قرار النحاس باشا، على غير رغبة الملك فاروق وعلى غير رغبة حسين نفسه، حيث قبِل الرجلان به على مضض كلاً لأسبابه الخاصة. ومما لا شك فيه أن الأهواء السياسية، أو على الأدق "اللعبة السياسية" السائدة حينذاك لعبت دوراً أفضى إلى توزير طه حسين على تلك الوزارة، وذلك في ظل نظام قائم على التعددية الحزبية المقيدة، حيث لا تكاد تسقط وزارة أو تُسقّط حتى يُعاد تشكيل وزارة جديدة وظل الحال كذلك إلى قيام ثورة يوليو 1952، كما كان "السراي" وسلطة الاحتلال الإنجليزي يتبادلان الدور في تقييد حرية الأحزاب تبعاً لمصلحة كل منهما.
ولم يكن رفض طه حسين أن يكون وزيراً، سواء للمعارف أو غيرها من الوزارات، لزهده في المناصب الحكومية فقط، أو لرغبته في التفرغ التام لرسالته التي نذر نفسه لها، أي الدراسات والبحوث الأدبية والفكرية فحسب، بل ولعلمه أيضاً ما بينه وبين الملك فاروق من فجوة سياسية لم تُردم بعد، لكن النحاس الذي أراد نكاية بالملك تعيينه في ذلك المنصب، زار طه حسين ببيته فجأة واختلى به في حديقة منزله وضغط عليه ضغوطاً ترغيبية هائلة ومبررات شتى، ووعده بتحقيق مشروعه لإصلاح التعليم، وبضمنه نداءه بمجانية التعليم لكل الشعب، فما كان من العميد إلا أن استسلم لتلك الضغوط والمبررات. 
على أن بقاء "العميد" وزيراً للمعارف لم يستمر أكثر من عام، كما أسلفنا، إذ تفاقم اضطراب الحياة السياسية بشدة، وازدادت التناقضات داخل حزب الأغلبية الوفد المنقسم على نفسه بين جناحين، يساري ويميني، ومع أن التشكيل الوزاري الذي ضم طه حسين اُعتبر ممثلاً للجناح اليميني الذي يتزعمه فؤاد سراج الدين باشا وزير الداخلية، وإذ اتبع فعلاً في بادئ الأمر سياسة مهادنة مع الملك فاروق، إلا أنه سرعان ما طفحت التناقضات والمجاذبات بينه وبين الوفد على الساحة، سيما بعد فضيحة الأسلحة الفاسدة التي أحرجت الملك أمام الرأي العام، ناهيك عن قرار الوفد المفاجئ بإلغاء معاهدة 1936 التي تقيد سيادة مصر الوطنية لصالح الاحتلال الإنجليزي، وإلغاء اتفاقيتي الحكم الثنائي في السودان، حتى جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير في صدام قوات الاحتلال الدامي مع قوات الشرطة في الإسماعيلية، فحريق القاهرة الشهير في يناير 1952، فتم إسقاط الحكومة الوفدية. ولا أدل على اشتداد اضطراب الحياة السياسية في هذا العام من أنه شهد أربع حكومات: الوفدية المستقيلة، وحكومة على رأسها علي ماهر لم تستمر سوى شهرين، وحكومة على رأسها أحمد باشا الهلالي باشا (والد المحامي والقيادي اليساري نبيل الهلالي) وأخيرا جاءت وزارة حسين سري باشا في عشية ثورة يوليو حيث لم تصمد سوى أقل من ثلاثة أسابيع (ثمة كثرة من المصادر التاريخية المصرية حول وقائع اضطراب الحياة السياسية خلال عامي 1950 و1952، منها على سبيل المثال: تاريخ الوزارات المصرية للدكتور يونان لبيب رزق الصادر عن الهيئة العامة للكتاب في القاهرة 2007).
مهما يكن وبسبب هذا الاضطراب الشديد خسر قطاع التعليم شخصية إصلاحية محنكة وفذة كفوءة، ممثلة في طه حسين، إذ لو قُدّر لها أن تستمر بضع سنوات ولم تواجه سوى أدنى الضغوط لأحدثت تحولاً إصلاحياً استثنائيا في هذا القطاع الحساس بالغ الأهمية في كل دولة. لكن ماذا كان رأي طه حسين في أحمد نبيل الهلالي باشا؟ وما دور هذا الأخير في إقناع النحاس باشا لتسمية حسين وزيراً للمعارف؟.


كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية