العدد 5265
الأربعاء 15 مارس 2023
banner
النقاد.. جزر بعيدة وأدراج فارغة
الأربعاء 15 مارس 2023

يخلق الكاتب نفسه فيما يكتب، ويخلق الناقد نفسه فيما ينقد، والنقد ذوقي وذاتي، لأن مفهوم الكلمة يختلف بين إنسان وإنسان، وبالرغم من وجود نظريات النقد والأساتذة الموجهين، إلا أن هناك بعض الكتاب والأدباء ينفرون من النقاد ويخالفونهم في الرأي إلى أبعد الحدود، فهم غير مفيدين في خط سير الأدب.


للكاتب الأميركي “صول بيلو” رأي عجيب، فقد ندد بما أسماه ديكتاتورية الأساتذة والنقاد وتأثيرهم المغرض على الأدب، فهو يرى أن كل صاحب نظرية وكل معتنق لمذهب لا يتعرض بالنقد لعمل أدبي أو فني إلا وحاول أن يقف فيه على كل ما من شأنه تجريح هذا العمل أو ذاك، ولا يمتدح العمل إلا إذا وجد فيه ما يخدم قضاياه، وكأن الناقد بذلك يريد أن يسخر الكتاب والفنانين لخدمة معتقداته هو، بل نراه في بعض الأحيان يلزمهم بترويجها والدفاع عنها.


وعند “بيلو” أن مهمة الناقد هي دراسة العمل الأدبي أو الفني وتحليله بناء على أسس ونظريات نقدية لا تدخل في دائرة السياسة ولا الدين ولا الأخلاق ولا حتى النظم الاجتماعية، هذه الأسس وتلك النظريات هي أصلا قائمة على الخلق والإبداع الفني الذي يخضع لعلم الجمال، والكاتب أو الفنان حر بعد ذلك في أن يتبنى قضية أو يدافع عن مبدأ أو يقف ضد هذا أو ذاك، وحر كذلك في أن يؤمن بنظرية “الفن للفن” أو “الفن للحياة”.


بمعنى آخر، يرى “بيلو” أن الكاتب حر في أن يلتزم وفي أن لا يلتزم وليس الناقد بوصي عليه مهما كانت حجته، فمن حيث يصدر الكاتب أو الفنان ينطلق الناقد، لأنهما إن لم يقفا على قاعدة واحدة أصبحا متباعدين تباعد طرفي الصحراء أو شاطئ البحر، والناقد في نهاية الأمر يأتي في المرحلة الثانية بعد الكاتب أو الفنان، فهو يعيش عليه، أي أن وجود الثاني مرتبط بوجود الأول.


أما المخرج السينمائي الإيطالي “فيسكونتي” فيصف النقاد بالجزر البعيدة والأدراج الفارغة.


* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية