بعد نحو أربعة شهور من استشهادها بالرصاص الإسرائيلي، وما أعقبه من مماطلات وتسويف من الجانب الأميركي تخاذلاً مع الجانب الإسرائيلي في محاولاته تبرئة نفسه من الجريمة، إلى أين وصلت قضية الشهيدة الصحافية الأميركية من أصل فلسطيني شيرين أبوعاقلة؟ هل تُقبر القضية دون تحميل إسرائيل المسؤولية الجنائية لتنال القصاص القضائي العادل بحقها؟
والمؤلم في مسار القصية أن لا القيادة الفلسطينية الغارقة في التجاوزات كانت على مستوى المسؤولية في تبني القضية والمتابعة الدؤوبة الجادة لنصرتها، سيما مع ما تشهده الساحة الفلسطينية من تمزق طال أمده بموازاة موت "المنظمة" سريرياً، ولا الجانب العربي بأفضل حال في ظل غياب الحد الأدنى المعهود تاريخياً من التضامن العربي الرسمي مع القضية الفلسطينية، دع عنك العجز المزمن الذي يجد الجانب الشعبي العربي نفسه مرغماً فيه. من هنا ليس غريباً وحال الأمة كذلك على مختلف الأصعدة أن تقف واشنطن بكل وقاحة مع الجاني دون إدانة جريمته، فالقيادة الفلسطينية التي رفضت تسليم الجاني أداة الجريمة الرئيسية – الرصاصة - سرعان ما سلمتها إلى الجانب الأميركي، توهماً منها أنه سيكون حكما عادلاً في الوقوف مع الحق، لكن هذا الأخير وبعد سويعات فقط من استلامها وفحصها مع الجانب الإسرائيلي قرر أن لا دليل على أن الرصاصة إسرائيلية!
والحال ليس غريباً على الولايات المتحدة التي تفتخر بنظامها الديمقراطي العريق اتخاذ ذلك الموقف المخزي من مواطنة تحمل جنسيتها، فهي لم تكن قط دولة كل مواطنيها منذ إنشائها، وسجلها العنصري الحافل تاريخياً بالتمييز بين أعراقهم شاهد على ذلك، وفي هذا الخصوص تحديداً فإنها ومنذ عقود لم تحرك ساكنا إزاء ما يتعرض له مواطنوها من أصل فلسطيني، بمن فيهم المولودون في الولايات المتحدة، من إجراءات عنصرية وتطفيشية عند وصولهم المطارات والمنافذ الإسرائيلية دون أن تسري هذه المعاملة على مواطنيها البيض. وقد وثق الكاتب الأميركي من أصل فلسطيني جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي، والمعروف بخطه السياسي المعتدل، وثق وقائع عديدة تثبت تلك الممارسات التي يتعرض لها الأميركيون من أصل فلسطيني، على الرغم من وجود اتفاق بالإعفاء المتبادل من التأشيرة.
على أن الجهات الأميركية المسؤولة إزاء تلك الوقائع لطالما تكتفي بوعودها بمتابعتها ولفت نظر الجانب الإسرائيلي بعدم تكرارها، دون أن تكون جادة لاتخاذ موقف حازم مع حليفتها إسرائيل في متابعاتها، حتى أن الزغبي أكّد أن هذه القضية أخذت منه جهودا مضنية، لأكثر من أربعة عقود دون أن يصل إلى نتيجة ملموسة مع الدوائر الأميركية المعنية، ومنها وزارة الخارجية. وعندما شرح هذه القضية لعدد من أعضاء الكونجرس اكتفوا بالتعاطف الكلامي معه، خوفاً من تآمر اللوبي الصهيوني باتهامهم بالسامية وعرقلة إعادة انتخابهم، حتى قال أحدهم له بصريح العبارة: "زعبي ما لا تفهمه هو أنه منذ يوم انتخابهم أصبح كل هم زملائي الأساسي وتعريفهم المصلحة الوطنية مرادفاً لإعادة انتخابهم". فلتعش إذاً الديمقراطية الأميركية ما دامت تلك آليات عملها.