+A
A-

"بي ريلكس".. تجربة هي الأولى من نوعها في المسرح البحريني

المسرح في رأي برنادشو "يجب أن يكون مصنعا للفكر، موقظا للضمير، موضحا للسلوك الاجتماعي، مصنع أسلحة ضد اليأس وضد الملل، يجب ان يكون بمثابة معبد يمجد فيه صعود الإنسان دائما إلى العلا".
حسب خبرتي يمكنني القول إن مسرحيات الناقد يوسف الحمدان تمثل روح العصر، وتتلاءم مع الحياة الجادة، إنه يبحث عن المسرحيات التي تتناول مسائل يضعها الناس موضع الاهتمام، وتتولى تحليل هذه المسائل ومعالجتها علاجا بناء، وبالمصطلح الفني هي المسرحيات الملائمة للعرض في كل مكان وتمثل كسبا عظيما للساحة المسرحية في البحرين والخليج وحتى الدول العربية.
وفي تجربة مسرحية جديدة هي الأولى من نوعها في المسرح البحريني يخوض الناقد يوسف الحمدان عملا مونودراميا يتشكل من خلال حكاية حياة تحدث في المصحة النفسية وبطلها هو الفارس السابق حسين المبشر.


ويعود الحمدان للإخراج بعد فترة طويلة من خلال تجربة بحث في حياة فارس فنان انطلقت شرارتها الأولى منذ عام 1998 لتصبح اليوم تجربة حية تبنى تقديمها وإنتاجها مسرح جلجامش وأسهم في تجليتها الفنية الفنان حمد الخجم كمساعد مخرج والفنان علي رضا في الموسيقى والمؤثرات، ونفذها الفنان عبدالرحمن العطاوي.
اعتمد الحمدان في هذه التجربة على الاستقصاء اليومي واللحظي للحالة الخاصة بالفارس حسين المبشر واختار فضاء مفتوحا للتجربة، وقد سبق أن تم تقديم التجربة في مركز عبدالرحمن كانو الثقافي ضمن ورشة الدكتورة دلال مغاري للعلاج الدرامي أو السيكودراما، كما تم تقديم هذه التجربة مؤخرا في مستشفى الطب النفسي وقد لاقت استحسانا واهتماما كبيرين من قبل الحضور.


"بي ريلكس"
نص مونودرامي مرتجل من حكاية حياة تتشكل أحداثها في مستشفى الأمراض النفسية بعد سقوط الفارس الشاب في مضمار الخيل وموت حصانه ودخول الفارس في حالة اكتئاب حادة بعد فقده حصانه الذي لازمه منذ الطفولة.
بطل هذه الحكاية هو الفارس حسين الذي عشق الخيل منذ طفولته مما اضطر والديه لأن يقتنيا له حصانا ويكون على إثر ولعه بهذا الحصان واحدا من أشهر الفرسان في ميدان السباق.
بعد سقوط الفارس حسين في مضمار السباق يفقد وعيه ولا يذكر أحدا سوى حصانه وهنا يمر بتجربة نفسية صعبة خاصة بعد دخوله مرغما إلى المصحة النفسية التي يتعرف فيها على نماذج من المرضى النفسانيين بمختلف اهتماماتهم وبعد حرمانه من مزاولة رياضته الأثيرة في الفروسية.
في المصحة النفسية يتعرف على الفنان التشكيلي السيريالي وعلى الممرضات والأطباء الذين لا يجدون له خلاصا إلا في تعاطي الأدوية والمهدئات والحقن التي أنهكت جسده وروحه إلى درجة لم يعد معها متقبلا حتى أقرب الناس إليه.


في المصحة يتخيل الفارس حسين حصانه بجواره كما يتخيل مجتمعه الذي لم يعد سويا في نظره ويرى أن كل شيء حوله يتربص إليه ويريد النيل منه.
وفي محاولات متعددة من الأطباء لإنقاذ حالته النفسية والجسدية التي أوشكت أن تودي به إلى الانتحار من خلال شفرات الحلاقة ومن خلال التخيلات والتهيؤات الغريبة التي تراود نفسه في الصحو والنوم والحلم، يجد الفارس حسين بأن خلاصه يكمن في مزاولته العزف على آلة الغيتار التي يعشقها والتي يحاور من خلالها حصانه ويدعوه للرقص والانتشاء بها.
وعندما يتعافى الفارس حسين يهديه طبيبه غيتارا وهو أجمل هدية ينالها؛ لأنها في رأيه تشبه حصانه الذي فقده، وأصبحت هذه الآلة رفيقته الأثيرة في رحلات المصحة.
وبعد أن يأذن الطبيب لحسين الفارس للخروج من المصحة، يتوجه حسين للحياة العامة بغيتاره طلبا للعمل في أية مهنة كالحلاقة أو العمل في مهن بسيطة متعددة مستثمرا الأداء الغنائي في طلب مثل هذه الوظائف، ولكنهم للأسف يرفضون طلبه، وعندما ييأس يدعوهم لشراء غيتاره كي يؤمن لقمة العيش لنفسه وعياله وبيته، ولكن للأسف يعتبر البعض أن اقتناء مثل هذا الغيتار يعد محرما، وهنا يضطر الفارس حسين للعودة مجددا للمصحة النفسية محملا بمتاعب نفسية جديدة، ولا ينقذه من هذا اليأس إلا صديقه العازف على الغيتار عبدالله الذي وجده في المصحة.
وهنا يبدأ حسين حياة جديدة مع حصانه الجديد الغيتار الذي يعتليه كما الحصان وينطلق به من خلال معزوفات الفلامنكو التي تشفي روحه وتزيل عنه هذا السقم النفسي الصعب.
المسرحية تعتمد الارتجال وفضاؤها مفتوح وتعتمد التفاعل مع المتفرج الذي يضيف للتجربة أبعادا جديدة، تماما مثلما فعل المخرج الروسي اخبلكوف في مسرحية "الاستقراطيون" وذلك لتحقيق إحاطة الجمهور للممثلين أي الاقتراب من الشكل اليوناني القديم، وأيضا المخرج الألماني ادولف آبيا الذي عرض الملك أوديب في حلقة سيرك تحقيقا لنفس الغرض، فمكان العرض مجرد ساحة عارية يحيط بها الجمهور من الجوانب الأربعة، يمكن أن تكون في قلب مستشفى، أو حول ضريح أحد الأولياء، بلا ديكورات على الإطلاق يدور فيها الممثل، حيث التركيز على الكلمة المنطوقة ومع الاستغناء عن كل ما يمكن أن يعوق الحركة أو ما هو زائد عن الحاجة أو يعوق الاتصال الواضح السليم للكلمة حاملة المضمون، حاملة المشاعر والأفكار.