تُدلل جميع السُنن السماوية دون استثناء – وفي مقدمتها الشِرعة السمحاء - على أهمية مُراعاة مشاعر اليتيم وبالغ مُلاطفته، بل والعناية الفائقة التي تحفظ ماله من الضياع ومُناكفة ما يعود عليه بالسوء، بِما يُحقّق له المصلحة ولأهله الخير حتى بلوغه مراتب الرُّشد المنطبقة، التي تتجلى مظاهرها في إبراز حقّه المعلوم وما يستوجب بالتراتب على العباد تِجاهه دون إهمال أو تقصير، وصولاً إلى بناء مجتمعٍ قويٍّ تسوده أسمى السجايا وأبلغ النعوت التي يتبوأ فيها – اليتيم - مكانة القلب النابض من جسد المجتمع اليافع، لما يُمثله من منبعٍ يفيضُ بالحسنات الوافرة، ومَعينٍ يغصّ بالأجور الجزيلة التي تأتلف متجامعة على سَوْقِ الأفراح والمسرات، وتجول في مُرُوج العطاء بعد أن يُحفظ حقّه - سواء كان ذكراً أو أنثى - من الضياع وسط تقلبّات الحياة ومتغيرات أهوالها.
لذلك تأتي إشارة سيد الخلق (ص) في حقّ المُحسن لليتيم في حديثه الجليل: “أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ..”؛ تأكيداً على الفضل الكبير في مَنْ يحفظ له هذا الحقّ دون تقصير أو نقصان أو تبديل أو خسران، وكذا تشجيعاً على تعويضه بالقدر الكافي عمّا فقده جرّاء قسوة حين يعتاز مُلحّاً في شأن من شؤونه الحياتية الرئيسة، التي لا يملك فيها مَالاً يُغنيه أو غَرَضَاً يسدّ حاجته، سيّما مبتغاه الحقّ في المسكن اللائق، وهو ما ينطبق (مثالاً لا حصراً) على حالة المواطنة التي تواصلت مع الكاتب في إيصال معاناتها المستمرة للمعنيين منذ عام 2000م، بعد أنْ ذاقت فيها مرارة اليُتم من جهة، والحرمان من حقّها في إعادة بناء مسكنها الصغير المتهالك (الذي أضحى مكبّاً للنفايات ومرتعاً للضّال من الحيوانات!) الذي ورثته عن ذويها من جهة أخرى. وأشارت إلى انعدام الجدوى لمحاولاتها المتكررة في مخاطبة جهات الاختصاص الرسمية والأهلية من أجل مساعدتها في إعادة البناء التي استغرقت عقدين من الزمن دون حراك؛ حتى أبقاها واقع الحال بين مطرقة الإيجارات وسندان البطالة.
نافلة:
من العوامل المُحفزة، دَفْعُ “المجلس الأعلى للمرأة” باتجاه صدور العديد من القوانين والقرارات ذات العلاقة بحقّ المواطنات البحرينيات في السكن اللائق الذي ضمنه لهنَ الدستور وساهمت فيه الحكومة بجملة من الخدمات والتسهيلات الإسكانية لشريحة كبيرة منهنَ منذ صدور قانون الإسكان عام 1976م، حيث نلنَ نصيب الانتفاع بالخدمات الإسكانية بمزيد من المزايا والمكتسبات، ومنها تدشين مشروع “مساكن” الذي يستهدف تمكين مَنْ لا تنطبق عليهنَ شروط الاستفادة من الخدمات الإسكانية كالمطلقة والأرملة والمهجورة والعزباء يتيمة الأبوين بموجب القرار الوزاري رقم 909 لسنة 2015م.