ما يُحقق السِلم الاجتماعي في البلاد التنمية والرفاه والمشاركة في القرار الوطني والكرامة، وهذا الذي لم تستطع تحقيقه احتجاجات ما سُمي بالربيع العربي، وما تحقق لأقطارنا العربية وشعبنا العربي من هذا الربيع المُدمر الحروب الطائفية الفكرية والمسلحة، حروب راح ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى وملايين المشردين والنازحين إلى دول أوروبا الغربية. وأسوأ أثر للربيع الأصفر هو التحريض والصراع الطائفي الذي انتشر في تضاريس أقطارنا العربية، الذي أثر على المشهد السياسي في المنطقة العربية. فقلب حالة الوحدة الوطنية إلى حالة من التأجيج الطائفي الذي أذكى الصراع المذهبي، وخلق اصطفافًا وانقسامًا مجتمعيًا حادًا وعميقُا، وساهم التدخل الدولي والإقليمي في أتون هذه الصراعات التي مازالت جارية في منطقتنا العربية.
إن للطائفية آثارًا مُهلكة للبلاد والعباد، تساهم في تعبيد ساحة الحرب الطائفية بين المواطنين وتجعلها مفتوحة على مصراعيها، هذه الساحة التي تمثل انتكاسة للوحدة الوطنية. ومما زاد من هذه الانتكاسة هشاشة مؤسسات المجتمع المدني السياسية والحقوقية، وتدني النضج السياسي للتيارات السياسية والدينية المتطرفة بفئاتها، واعتقدت واهية بأنها قوى فاعلة ومؤثرة في مجتمعها، إلا أنها في الحقيقة ساهمت في خلق الانقسامات المذهبية والصراعات الطائفية، وأشغلت الشعب بصراعات طائفية بهدف إضعافه وتقسيمه لتتمكن هذه القوى والتيارات من تحقيق أهداف أجنداتها في إعادة رسم المجتمع بما يتفق مع طائفيتها. ومن خلال هذه الأجندات وأهدافها استطاعت القوى الدولية والإقليمية اختراق وحدتنا الوطنية واستخدمت سلاح الطائفية لتأجيج الصراع الطائفي بين أبناء الشعب وإذكاء الصراع بين الهويات الوطنية والدينية بين أبناء الوطن الواحد. هذا التأجيج الخارجي ساهم في تعميق الفجوة بين الأديان والمذاهب والذي يفضي إلى تقسيم البلاد والأمة.
تتحقق الوحدة الوطنية في دولة المواطنة، الدولة التي تعمل على تعزيز الهوية الوطنية لأفراد المجتمع، واجتثاث كل فِعل طائفي، وإنهاء الانقسام المذهبي، وحماية البلاد من شبح التقسيم والفوضى السياسية. ودولة المواطنة هي الدولة التي تحترم مواطنيها وتدافع عن أمنهم، وتنشر مبادئ العيش المشترك بين مواطنيها في ظل قيم التسامح واحترام التعدد السياسي والتنوع الديني والمذهبي الذي يُساهم في تمتين قاعدة الوحدة الوطنية. وقد أشار دستور مملكة البحرين وتعديلاته (2012م) بهذه الجوانب وأكثر من ذلك، ونشير إلى بعض المواد، ومنها : المادة (1 ـ د، هـ)، (5 ـ ج)، (7 ـ أ)، (8 ـ أ)، (13)، (16 ـ ب )، والمواد (18 ـ 19 ـ 22 ـ 23 ـ 24 ـ 27 ـ 28) وغيرها من المواد المحققة لأهداف الوحدة الوطنية والتنمية والسلام المجتمعي في مملكة البحرين.
فهل تؤمن الطائفية بمثل هذه المبادئ؟ وهل تسعى لتحقيقها؟ الطائفية تعمل على التفتيت لا التوحيد، والقطع لا الجمع، والتنافر لا التآزر، وتستخدم الدين والمذهب كأداة للتحريض والتأجيج الطائفي من خلال الوسائل والمنابر الإعلامية والدينية، وهذه الفئة المُحرضة تستخدم هذا السلاح من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف، نذكر منها (حشد أكبر عدد من الأتباع والمناصرين لها، إدخال الصراع السياسي في الديني ليصل إلى مستوى القداسة، إعطاء تحركهم الصبغة الشرعية). لذا هذه الفئة تقوم بصبغ تحركها بأنها معركة بين الحق (الذي تمثله) والباطل (الطرف المضاد لتحركها). إن الطائفية تقوم بإحداث نزاع مجتمعي يعمل على تعطيل النظام الاجتماعي والسياسي الموجود، تغذيه أنظمة وقوى سياسية وفئات دينية.
إن محاربة الطائفية واجتثاثها من بلادنا هي من أنبل الواجبات الوطنية، وتمسكنا بوحدتنا الوطنية هو أقوى سلاح مضاد للطائفية، الوحدة التي تتطلب بناء علاقات المواطنة بين أبناء الشعب الواحد بأعراقهم ودياناتهم ومذاهبهم وثقافاتهم، فبوحدتنا نقطع الطريق أمام الطائفية ورواجها، وبوحدتنا نطفئ حرائق الطائفية، ونقضي على تأجيجها، وبالتفافنا بقيادتنا نضمن وحدتنا الوطنية والدينية. كما أن التعاون بين الأقطار العربية والدول الأجنبية في محاربة العنف والإرهاب الذي تولده الطائفية يؤكد أن القضاء على العنف والإرهاب مهمة وطنية وقومية ودولية تستوجب تضافر كل الجهود.