+A
A-

اللؤلـؤ الحـر... طريق البحرين إلى العالمية

وضعت بين يدي التاجر الخبير في سوق المنامة عقدًا يحوي مئات الحبات من اللؤلؤ ذات الأحجام المتفاوتة والمنسقة، مع حفنة أخرى موزعة على أقراط وأساور، بمجموع لا يقل عن 350 حبة، 100 منها على الأقل ذات حجم كبير.

في ظنها أنها تحمل «كنزًا» تصل قيمته آلاف الدنانير، لكن رد التاجر جاء صادمًا، فبعد تفحص وتدقيق قال لها: «للأسف يا سيدتي فهذا اللؤلؤ ليس طبيعيًّا وإنما مزروع، لذا فهو لا يساوي بضعة دنانير معدودة».

تقول السيدة التي تدعى أم عبدالرحمن إن العقد والقراطين والأساور مهر والدتها عندما تزوجت من أبيها في العام 1972، وقد اشترياه من مدينة البصرة العراقية، من تاجر ادّعى وقتها إنه لؤلؤ بحريني طبيعي.

لم يكن يعلم العروسان في ذاك الوقت بأن اللؤلؤ يُزرع، كما أن كلمة «بحريني» التي استخدمها التاجر، الذي لا أحد يعلم بأنه كان يقصد خداعهما أم إنه خُدع هو الآخر، دفعتهم على ما يبدو للشراء دون نقاش.

ويرتبط اسم البحرين في ذاكرة وانطباعات الناس سواء في المنطقة أو العالم بالشواطئ ورحلات الغوص واللؤلؤ الحر الذي لا يمكن له أن يكون إلا هنا.

وتسعى البحرين وتجارها للمحافظة على هذا الإرث الحضاري، وعلى خصوصية الجزيرة من خلال اقتصار الاتجار في السوق المحلية على اللؤلؤ الطبيعي والإبقاء على القانون الذي يمنع الاتجار بغيره سواء أكان مصنعًا أم مستزرعًا.

وتمنع المملكة الاتجار باللؤلؤ المستزرع، حتى لو كان داخلاً في المشغولات، بحيث يحظر بيعه وشراؤه وعرضه، بهدف حماية اللؤلؤ البحريني الأصيل والذي يكتسب شهرة عالمية واسعة.

ويؤيد معظم تجار البحرين، أو الكبار منهم، هذا القرار حيث يعتبروه مهمًّا جدًّا للحفاظ على تاريخ وإرث المملكة وحماية هذه التجارة التي تمتد لمئات السنين.

 

كيف يستزرع اللؤلؤ؟

واللؤلؤ المزروع هو الذي يتكون داخل الصدفة بمساعدة الإنسان، بمعنى أنه ينتج من خلال إفراز المادة من قبل الحيوان (المحار)، ولكن ليس بشكل طبيعي بل بسبب التدخل بوضع شيء على مدخل الصدفة ليضطر الحيوان إفراز المادة عليها. ولا يمكن أن يظهر الفرق بين اللؤلؤ الطبيعي والمزروع إلا بالفحص المخبري.

وبرعت في إنتاجه اليابان بداية الأمر فيما دخلت الصين على الخط منذ سنوات وأصبح ينتج بكميات كبيرة، ما يجعل عقدًا كاملاً يباع بـ 10 دولارات فقط، قياسًا بآلاف الدولارات للؤلؤ الطبيعي.

وصدر أول قانون لتنظيم تجارة اللؤلؤ في البحرين في عام 1928، كما صدر أول تشريع للرقابة على المشغولات الذهبية في عام 1968.

وبحسب نص الأمر الأميري رقم 4 لسنة 1975 فانه «يحظر الاتجار في اللؤلؤ المزروع ولو كان داخلاً في مشغولات مطعمة به».

لكن تبقى هناك بعض الأصوات التي تطالب بالسماح بتداول اللؤلؤ المزروع بدعوى أن السوق تنتهج سياسة الانفتاح وبالتالي المستهلك صاحب القرار في ماذا يريد.

ويقول مؤيدو هذا التوجه إن كميات اللؤلؤ الطبيعي الموجودة في السوق لم تعد تكفي في ظل انتهاء عمليات الغوص منذ سبعينات القرن الماضي، وهو أمر خالفهم به التاجر إبراهيم مطر الذي أكد أن السوق ما زالت تستقبل وباستمرار لؤلؤًا طبيعيًّا يتم استخراجه سواء من البحرين أو من بعض الدول الخليجية الأخرى.

ومع فتح باب الترخيص للغوص وصيد اللؤلؤ الذي بدأ من شهر أغسطس الماضي فإن اللؤلؤ سيعود إلى التدفق من جديد، خصوصًا إذا ما علمنا بأنه حتى منتصف ديسمبر الجاري تم منح حوالي 1471 ترخيصًا.

 

ارتباط البحرين بصناعة اللؤلؤ

وتابع مطر «اسم البحرين ارتبط منذ القدم بصناعة اللؤلؤ، لذلك فهو إرث وتاريخ يجب المحافظة عليه بما يعطي سببًا وجيهًا للاستمرار في حظر الاتجار باللؤلؤ المزروع».

ومن المعلوم أن هذا النظام يجعل من السوق البحرينية محط ثقة للتجار والمستهلكين على مستوى العالم.

ويعد اللؤلؤ البحريني الأفضل عالميًّا من حيث النوعية واللون والنقاء والبريق، حيث يرجع السبب إلى وجود ينابيع المياه العذبة في مواقع التنقيب، والتي تحافظ على بريقه على عكس مياه البحر المالحة التي تعطيه شيئا من العتمة (تجعله قاتمًا بعض الشيء).

ولا يوجد بحسب تجار ومراقبين أي إحصاءات عن الكميات المتوافرة في السوق.

ويقول مطر إن «اللؤلؤ الحر موجود بكميات لا بأس بها، وهو ما زال يستخرج وبشكل متواصل في البحرين وبعض الدول الخليجية»، مشيرًا أن «هناك عمليات عرض وطلب بشكل شبه يومي».

وأكد أن «لكل دوله خصوصية وهي لا يمكن أن تبنى في يوم وليلة، كما لا يمكن تعويضها في حال خسارتها، والبحرين الدولة الوحيدة في العالم التي يرتبط اسمها باللؤلؤ كما أنها الوحيدة التي تحظر تداول اللؤلؤ المزروع، وهي ميزة فريدة يجب المحافظة عليها بشتى الوسائل».

البحرين «مبروكة»

وبيّن مطر «أنها تجارة مربحة بالنسبة لأولئك الذين يغوصون من بحارة وشباب وهواة، فالأسعار جيدة، وهي أفضل من ذي قبل، خصوصًا أنه الآن لا يوجد وسيط كما في السابق».

وتابع «البحرين مبروكة بحمد الله، ومازال بحرها ينتج اللؤلؤ المميز الذي نفخر به بالأسواق العالمية».

وأوضح «أنه يفخر بالبحرين التي تحافظ على إرث عمره مئات السنين، (...) هناك اهتمام على أعلى المستويات بهذه التجارة، فهناك مختبر بالمملكة على مستوى عالمي، كما أن هناك إجراءات تنظم مهنة الغوص وتشريعات تحكم العملية برمتها».

وأكد مطر أن اللؤلؤ سيبقى شعار البحرين، (...) هناك أسر وأفراد لا يستطيعون ترك هذه الصناعة، فهي جزء من حياتهم وتاريخهم.

واعتبر تنظيم هذه المهنة وإعادة إحيائها شيئًا جيدًا، رغم أن الصيد لم يتوقف يومًا، لكن مع تنظيم المسألة سنحصل على لآلئ بمستويات مميزة.

وأوضح أن البحرين ليست مشهورة بتجارة اللؤلؤ فحسب؛ وإنما بالغواصين، فقد زخرت بأمهرهم على مستوى المنطقة والعالم، واليوم نجد أحفادهم توارثوا المهنة فهم يغوصون بحرفية ويستخرجون أجمل اللآلئ وأجودها.

وبيّن مطر أن برنامج إعادة إحياء مهنة الغوص والترخيص لها سيقدم مهن جديدة غابت عن السوق البحرينية فترة ليست بالبسيطة، كدلالي اللؤلؤ والفرازين والذين يعملون في خرق الحبات وصياغتها وتجهيزها وغيرها من الأعمال، لذا سيوفر القطاع فرص عمل جيدة.

وحول إذا ما كانت الهيرات الآن مليئة بالمحار بسبب انقطاع الصيد لسنوات، قال مطر «للمحار عمر زمني محدد، وإذا لم يتم صيدها وهي حيّة، تموت وتذهب اللؤلؤة إن كانت موجودة بالبحر».

 

لا معيار للأسعار

وحول الأسعار بيّن أنه من الصعب جدًّا تحديدها أو وضعها في إطار أو مستوى معين، فلكل حبة لؤلؤ سعرها الخاص بها، ولكل خبير نظرته وبالتالي لا يوجد معيار للأسعار.

وتابع «هناك اختلافات كثيرة بالحجم والشكل واللون ودرجة اللمعان .. إلخ، (...) كيف لك تحديد الأسعار. المسألة صعبة».

وأشار إلى أن «بعض العقود يستغرق نظمها سنوات، حتى يستطيع الصائغ أو العامل باللؤلؤ تجميع العدد المطلوب وبالأحجام المتساوية لغايات التوازن».

من جهته، قال رئيس مجلس إدارة شركة الزين للمجوهرات نبيل الزين إنه في الماضي كان من المؤيدين للسماح ببيع وتداول اللؤلؤ المزروع في السوق البحرينية، لكنه عاد وغيّر رأيه كونه يرى الآن أن الأمر يميز البحرين ويعطيها خصوصية عالمية.

وتابع «باتت البحرين البلد الوحيد بالعالم أجمع الذي يمنع تداول اللؤلؤ المزروع في الأسواق المحلية، وهو أمر يحافظ على الإرث والتاريخ».

 

قوانين وتشريعات ناظمة

وأضاف الزين «الجهات المعنية لم تألو جهدًا في تنظيم السوق وهي سنت القوانين والتشريعات المانعة لتداول اللؤلؤ المزروع وحافظت بذلك على تاريخ طويل، (...) أي شخص يريد اقتناء هذه النوع من اللؤلؤ يستطيع شراءه من الخارج».

ويستخرج من قاع البحر كثير من المحار والأصداف التي يحتوي القليل منها على اللؤلؤ، وهو يختلف في شكله وحجمه ولونه ولمعانه ونقاوة سطحه ولهذه العوامل أهمية كبيرة في تحديد جودته وبالتالي سعره، ومن أهم أنواعه «جي ون» ، «شيرين»، «قلوة»، «البدلة».

ويقدر هواة وغطاسون نسبة تواجد اللؤلؤ تقريبًا بمحارة واحدة من بين كل 10 آلاف محارة.

وهناك عدة ألوان للؤلؤ تؤثر في صفائه وجماله ويكون لها قيمة عند تثمينه أهمها الأبيض والأصفر والسماوي والسنقباسي والكريمي والنباتي والوردي والأسود.

ويتم فرز اللؤلؤ من حيث الحجم بانتقاء اللآلئ الكبيرة والفريدة في نوعها وتسمى (حصباه)، أما باقي اللؤلؤ فيفرز طبقًا لحجمه وشكله ويطلق عليه مسميات متعارف عليها محليًّا وأهمها الدانة (مستديرة كاملة) والبطن (نصف كورية وتشبه الزرار) والسجني (شكل الدمعة) والسحتيت (اللؤلؤ الصغير) والبوكة (اللآلئ الصغيرة جدا) والخاكة (تراب اللؤلؤ) والمطعج (لؤلؤ غير منتظم الشكل).