العدد 5686
الخميس 09 مايو 2024
banner
شيرين فريد
شيرين فريد
العفو عند المقبرة!!
السبت 09 مارس 2024

أعزائي القراء هل التقيتم بذاك المُدعي أم ليس بعد؟! نعم هذا ما أقصده تماماً.. إنه مُدعي الفضيلة، ألم تحثنا أدياننا السماوية على المحبة والتسامح ! نعم.. ولكنني سأستعين بمقولة الإمام الغزالي رحمه الله "الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل، كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن، فالحرية النفسية والعقلية أساس المسؤولية".
وما أرمي اليه عزيزي القارئ أنه لا داعي للتظاهر أو للتصدي للطبيعة البشرية التي تقضي بعدم المقدرة عن العفو عما أو عمن تسبب لنا في أذى أياً كان نوعه ودرجته وقوته؛ فهناك تفاوت في استيعاب وتحمل الأمور وبالتالي فقدرة الإنسان وصفته البشرية تحول بينه وبين عمومية الشعور بالنسيان أو التقبل أو التغافل ومن ثم العفو.
وفي حقيقة الأمر أنا أنتقد كل من ينتقد عدم قدرة إنسان على العفو عمن آذاه أو آلمه لمجرد أنه يتظاهر بالفضيلة المنسية بداخله من الأساس؛ فدواخل الأمور ليست باليسيرة على كل روح وقلب.
ولهذا المُدعي أوجه رسالتي.. إن العفو ليس أمراً يسيراً يتم الإرغام عليه إنه أمر غاية في التعقيد لأنه نابع من القلب والعقل المُحمل بالأذى كما أن وهناك عدة شروط لجواز ذلك الفضل وهي ألا تعفو لضعف أو لعجز وأن يترتب على هذا العفو إصلاحاً. والأصل في الفضيلة لا إرغاماً عليها بحجة التظاهر ولا غيرها وإنما الأصل في الفضيلة هو راحة ونقاء القلب والسريرة. إن الإنسانَ لا ينبغي له أن يترُكَ نفسَه تتعرضُ للإساءة والإهانة باستمرار، مُتَّسمًا بالعفو في موضعٍ لا يؤدِّي العفوُ لإصلاح، زاعمًا أن الشرعَ حثَّ على العفْوِ، بل ينبغي أن يكون المسلمُ عزيزًا بدينِه وتسامحِه، وإذا تحوَّلتِ العزةُ بالعفوِ إلى ذِلَّةٍ وإهانةٍ، فهنا وجَبَ عليه أن يقف وقفةً حازمة، فالله - عز وجل - عادلٌ لا يقبل الإهانةَ والذلَّ، وكما حث سبحانه على العفو، فقد حث أيضًا على القِصاص والأخذِ حينما يَستدْعي الأمر ذلك. وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لا ينبغِي للمؤمنِ أن يُذلَّ نفسَه))، قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه؟ قال: ((يتعرَّضُ من البلاءِ لمَا لا يطيقُ)).
وعليك أن تدرك أنه وإن تحقق الإصلاحُ، وتم ردع المسيء، فينبغي على المُسَاءِ إليه أن يعفوَ، ويصفحَ ويسامحَ، وبالأخير إنها حرية القلب والعقل والنفس؛ فالعفو عند المقدرة أو عند المقبرة أمراً ليس من شأنك فلا تُجهد أحداً بفضيلتك المزيفة أو بنصيحتك المُرهِقة ودع الخلق للخالق.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية