+A
A-

نصار: القارئ العربي لا يريد المنفعة بل الترفيه

قال صاحب الدار الثقافية للنشر بالقاهرة فتحي نصار، إن دور النشر العربي تواجه تحديات كبيرة، في مقابل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف والألواح الذكية، وأوضح أن الإشكالية لا تكمن في القراءة فحسب، وإنما بالذائقة أيضًا.

وأشار نصار، في لقاء أجرته “البلاد” معه في معرض القاهرة الدولي للكتاب، إلى أن الجيل الجديد لا يطلبون من الكتب ما هم بحاجة إليه، بقدر رغبتهم بالترفيه والمتعة.

كيف تقرأ اتجاهات القارئ العربي اليوم؟

اتجاهات القارئ العربي اليوم هي للترفيه، وليس لنهل المعرفة أو الاستفادة، ولم يعد الجمهور كما كنا نعرف بالسابق، يبحث عن المعلومة وعن الذائقة، وعن البناء الداخلي الحميد، هنالك انحراف واضح في مسار اختيار المادة الأدبية المنشودة، إلى عوالم أخرى لا تقرب النهوض بالمجتمعات أو حتى بالأسرة.

هل هي برأيك حالة خاصة أو عامة؟

القراءة حالة عامة، لكن اختيار ما تقرأ والهدف منه يرتبط بثقافات المجتمعات، وبالمسؤولية الاجتماعية، وبالأسرة، ومنظومة الأصدقاء، وبالتنشئة الصحيحة على القراءة، التي ترتكز على العناية في اختيار ما هو على الرف، فالأمر ليس محصورًا بالعالم العربي، بل هو عام، لكن لدينا أكثر من غيره، وأقولها آسفًا.

ذكرت أن هناك اتجاه من القراء للترفيه، لماذا؟

الكثيرون يتجهون للتخصص بشكل مفرط، وهذا أمر خاطئ، فحين تسأل المهتمين بالشأن الاقتصادي تجدهم لا يعرفون عن الثقافة أو الفن أو السياسة إلا الهامش وهذا خطأ جسيم، فالمثقف ظاهرة مطلوبة بكل المجتمعات والحقول، فهو الذي يساعد على النهوض بالفكر الجماعي والأخلاقي والقيمي للمجتمع وللمدرسة وللأسرة.

وفيما يخص التوجه الجماعي نحو حقل الترفية والمتعة و”تغيير الجو”، كما يحلو للبعض أن يسميه، فهو أمر متزايد مع تنامي ظواهر المطربين والموسيقيين و”الفاشنيستا”، وقادة الرأي في شبكات التواصل الاجتماعي، وظهور المنصات الرقمية للسياحة والسفر وغيرها الكثير.

وماذا عن الأديب نفسه؟ ألا ترى أنه يتحمل جزءا واسعًا من المسؤولية الأخلاقية هنا؟

الأديب يريد أن يطبطب على القارئ ويرضيه، وأن يقدم له ما يتمناه وليس ما هو نافع له، فبدلًا من أي يرفع الأديب من مستوى القارئ، ينزل هو لمستواه، ويدغدغه ويجامله ويتزلف له.

وأعطيك مثالًا في الغناء، إذ إنه وبعد ظاهرة أم كلثوم وعبدالحليم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش، خرج مطربون لك اليوم يسمونهم “المطربون الشعبيون”، وهؤلاء اللذين يقدمون موادا فارغة المضمون، ويكسبون اليوم أكثر مما كانت تكسبه أم كلثوم بكثير.

ماذا عن روح الروايات الجديدة؟ لماذا نراها غائبة؟

شخصيًا، حين أكتب مقالة، فإنني أعيد كتابتها مرات عدة؛ لكي أضمن أن تخرج بالصورة التي تليق باسمي وبتاريخي وبالقارئ المصري والعربي، لكن - وبالمقابل - فإن هناك روايات عديدة تضخ في أسواق الكتب المحلية والعربية، خاوية للروح، لا تحمل بمضمونها فكرة واحدة مفيدة، ولكنها تباع بطبعات عدة وتنتشر بشكل غريب وغير مفهوم.

أين النقاد مما يحدث؟

المجتمع يفرز الطبيب الفاشل والناقد الفاشل، عمري 78 سنة، ولكنني حزين لأني عشت فترات ثقافية مزدهرة، وكنت - أنا وغيري - نتعنى المسافات؛ لكي نستمع لكلمة من قبل مثقف أو أديب، أو نتابع حوارات وندوات تغير مفهومنا للحياة. ولكن ما نراه اليوم هو أمر مثير للدهشة، خصوصًا مع تواقيع الكتب وإشهارها، فحين نتصفحها وهي ذات إقبال من القراء نندهش من ضحالتها وتفاهتها.

وفي المقابل، هناك غياب عميق في حس المسؤولية لدى بعض النقاد، الذين بات همهم الأول التكسب المالي، وليس رفع مستوى الكتب والروايات إلى الأعالي.

هل أنت متشائم؟

نعم للأسف؛ لأنني عاصرت مراحل زاهية من حقب الثقافة العربية التي أثرت المجتمعات وبنتها بشكل قويم.

وعاصرت كتاب كبار كنجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم وغيرهم الكثير، وما أراه اليوم هو أمر يدعو للشفقة والحزن على المستوى الذي وصل إليه الرف الثقافي والأدبي والروائي العربي، وتظل المسؤولية كما أسلفت شاملة، كدولة ومجتمع وأسرة على حد سواء.