+A
A-

الحويج: قطر وتركيا بثتا الرعب والفوضى في ليبيا

لقاء الصخيرات هو بدء مرحلة الانشقاقات والتنصل من العهود والاتفاقات

وجود ترسانة أسلحة كبيرة جدا في البلاد وقعت بيد المجاميع الإرهابية

ما ذنب الشعب ليتحمل الحصار ويدفع فاتورة قاسية جدا من حياته؟!

الجيش كان حريصا على تجنب إيقاع الخسائر في صفوف المدنيين

لا نريد الجلوس مع قادة المليشيات الدينية فهي تأتمر من خارج البلاد

نقترض سنويا بحدود 10 مليارات دينار لتغطية النفقات وتسديد المرتبات

 

نقل وزير الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية المؤقتة عبدالهادي الحويج عبر صحيفة “البلاد” التحية والتقدير للقيادة البحرينية، وعلى رأسهم عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وللشعب البحريني على موقفهم العروبي القومي تجاه ليبيا وقضايا الأمة العربية.

ووجه الحويج في حديث خاص أدلى به إلى “البلاد” أصابع الاتهام في ضلوع  النظامين القطري والتركي في إحداث حال الفوضى داخل بلاده، حيث يتحملان الجزء الأكبر من الاضطراب السياسي وما أعقبه من الخراب الذي حل بالبلاد، لينفذوا عن طريق عملائهم وأحزابهم بدعمهم عسكريا ولوجستيا وتمويل مفتوح أجنداتهم في بث الرعب والفوضى وتعطيل الحياة.

وأضاف “إن ليبيا دولة نفطية غنية يتغول الجميع لإيجاد موطئ قدم فيه وفي ظل غياب الدولة بمفهومها الحديث، فبديلها هي المليشيات والحكم القبلي والفوضى”، وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه الكاتب والمحلل السياسي موفق الخطاب في مدينة بنغازي الليبية في السابع والعشرين من مايو 2019:

 

* سعادة الوزير هذا الحوار الذي نرجو ألا تنقصه الصراحة، نريد منكم أولا تبيان ما يجري على الساحة الليبية؟

- أهلا وسهلا بكم الأستاذ موفق الخطاب ومرحبا بصحيفة “البلاد” الغراء في بلدكم الثاني دولة ليبيا ونعتز بكم كثيرا وبزيارتكم كمفكر وكاتب عربي معروف قدم إلينا من مملكة البحرين الشقيقة؛ للمشاركة في الندوة والصالون السياسي الذي عقد في مدينة الشحات في الجبل الأخضر يوم 22 من شهر مايو، وافتتاحكم الورشة بكلمة كان لها بالغ الأثر في الحضور، تحت عنوان “العلاقات الدولية بين قوة القانون أم قانون القوة ؟”.

ونود ومن خلالكم توجيه التحية والتقدير من قبل الحكومة الليبية المؤقتة بقيادة رئيس الوزراء عبد الله الثني والمشير خليفة حفتر، إلى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وللشعب البحريني الشقيق وعموم إخوتنا في الخليج العربي؛ لمواقفهم القومية من ليبيا وقضايا الأمة العربية. وكل عام والبحرين وخليجنا العربي وبلاد الحرمين بخير وأمان وسلام.

إن ما جرى من حراك سياسي على الساحة الليبية بعد أحداث فبراير العام 2011 في بادئ الأمر ما هو إلا أمر طبيعي جدا يحدث عند انهيار أي نظام شمولي ودخول معترك التنافس الديمقراطي لتناول السلطة، لكن ما أخرج ذلك التنافس عن وجهته هو خلو الساحة الليبية من الأحزاب المعارضة التي تحسن التعامل مع الموقف بشكل سياسي متزن طوال 4 عقود من حكم النظام السابق وكذلك عدم امتلاك نظرة وخطة محكمة لما بعد الانتفاضة مما ولد فراغا سياسيا خصوصا لما صاحبه من تفكك الدولة ومؤسساتها والانهيار للمنظومة الأمنية مما دفع بسرعة لانتشار المليشيات المسلحة، وأدى ذلك إلى فوضى عارمة اجتاحت البلاد؛ ليحرفوا الانتفاضة العفوية عن وجهتها، ولقد استغلت بعض الدول ذلك، فتدفق من خلالهم قادة الإرهاب ليجدوا حاضنة لهم من المغرر بهم لينتشروا في الأراضي الليبية، ولا أتردد في ذكرهم، وكان على رأسهم النظامان القطري والتركي اللذان يتحملان الجزء الأكبر من الاضطراب السياسي، وما أعقبه من الخراب الذي حل بالبلاد؛ لينفذوا عن طريق عملائهم وأحزابهم بدعمهم عسكريا ولوجستيا وتمويل مفتوح أجنداتهم في بث الرعب والفوضى، وتعطيل الحياة في مدنها الرئيسة، فضلا عن وجود ترسانة أسلحة كبيرة جدا في البلاد وقعت بيد تلك المجاميع الإرهابية. وكما تعلم، فإن ليبيا دولة نفطية غنية يتغول الجميع لإيجاد موطئ قدم فيها وفي ظل غياب الدولة بمفهومها الحديث، فبديلها هي المليشيات والحكم القبلي والفوضى.

والمتابع للشأن الليبي يتذكر جيدا أنه في بادئ الأمر لم يكن هنالك أي انقسامات داخلية واتفق الجميع على الخوض في الانتخابات التشريعية التي أفرزت مجلس النواب طبرق والحكومة المؤقتة في سبتمبر العام 2014 ومقرها مدينة البيضاء شرق البلاد، والذي اتخذت بعدها العديد من القرارات المهمة في تسيير أمور البلاد، منها إعادة تكليف مؤسسة الجيش الوطني لبسط الأمن وإلغاء قانون العزل السياسي عن رموز النظام السابق ممن لم يثبت إدانتهم بقضايا فساد أو جرائم حرب أو لم تلطخ أيديهم بدماء الأبرياء قبل الانقلاب عليها في مؤتمر الصخيرات مما أدخل البلاد في فوضى وأزمة عميقة جدا يدفع الشعب الليبي ثمنها من تعطل الحياة باهظا، وكان لقاء الصخيرات هو بدء مرحلة الانشقاقات والتنصل من العهود والاتفاقات، وهو منعطف خطير أن يتم الانقلاب على الشريعة، والملف والمشهد الليبي ليس من الصعب احتواؤه إن تم القضاء على المليشيات أولا، وصلحت النوايا ثانيا.

 

* ما وجه الخلاف بين الحكومة الليبية المؤقتة بقيادة الرئيس عبدالله الثني مع حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج؟ وهل هناك أي بارقة أمل للجلوس على طاولة الحوار وحلحلة الخلافات التي عصفت بالمستقبل السياسي للبلاد، وعقَّدت المشهد الليبي، وما المخرج برايكم؟

- حكومة الوفاق تعلم يقينا أننا لسنا بطلاب سلطة بقدر سعينا لإنقاذ البلاد من الإرهاب، والموضوع المفصلي بيننا وبينهم هو سيطرة الإرهاب والمليشيات على العاصمة الليبية طرابلس ومشاركتهم، بل لهم الكلمة العليا في حكومة الوفاق وهذا يمثل عندنا خطا أحمر ولا يمكن تجاوزه دون تطهيرها من هذه المجاميع، ولا يوجد لدينا شروط مسبقة للجلوس معهم على طاولة الحوار، ولكن من دون جلوس قادة المليشيات والأحزاب الدينية التي تأتمر من خارج البلاد، فبيننا مشتركات كثيرة ونقاط الخلاف السياسية من الممكن تجاوزها بعيدا عن لغة السلاح بعد أن تضع الحرب على الإرهاب أوزارها، ونطهر كافة الأراضي الليبية من الإرهاب وذيوله. ومعلوم أن همومنا واحدة ونحن قادرون على تجاوزها إن صلحت النوايا، لكننا نرفض التحاور مع زعامات المليشيات والإرهابيين المندسين في صفوف الوفاق، ولا نرضى بأي راية ترفع فوق رؤوسنا عدا الراية الوطنية الليبية. كذلك لا نرضى أن نضع أيدينا بمن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من شعبنا، كما أننا لا نسعى بتاتا لعسكرة المجتمع الليبي أو فرض حكومة عسكرية، ونقولها مرارا إننا نريد تأسيس دولة ديمقراطية مدنية قوية بجيش قوي يحمي البلاد من الإرهاب، فإن توافرت هذه الأجواء وطهرت طرابلس من المليشيات والإرهاب، فلن نتوانى بالجلوس مع إخوتنا في حكومة الوفاق.

 

* من خلال تجوالنا بمدينة بنغازي والمنطقة الشرقية لاحظنا أمرين مهمين، أحدهما مفرح جدا، وهو استتباب الأمن وتجوال المواطنين لساعات متأخرة من الليل، والأمر الآخر المحزن والمخيب للآمال هو حجم الدمار الهائل الذي فعلته المجاميع الإرهابية وتعطل الأعمار وتوقف برامج التنمية وتردي الخدمات البلدية! على الرغم من مرور أربعة أعوام على معركة الكرامة، لكن الأوضاع مازالت على ما هي عليه، ما أسباب هذا التردي وما مبرر الإحجام الدولي برايكم في إعادة إعمار بنغازي؟

- لله الحمد فبفضل من الله أولا ثم بهمة وتضحيات جيشنا البطل بقيادة المشير خليفة حفتر، فقد تمكنا من مقارعة الإرهاب في صراع دام طويلا في معركة الكرامة، فقد كلفتنا مئات الشهداء رووا بدمائهم الزكية أرض البلاد تم بعدها تطهير بنغازي وجميع المنطقة الشرقية منهم، وكذلك تجفيف منابعهم، لكن مازال منهم جيوبا وذيولا في بعض المناطق وعلى رأسها العاصمة طرابلس ودرنة ومصراطة، وسيتقدم الجيش قريبا لسحقهم وخلاص البلاد منهم.

وكما تعلم سيدي الفاضل أن تنظيم الدولة داعش تتمترس في المدن، وأن حرب المدن هي من أصعب الحروب، وكان الجيش حريصا على تجنب إيقاع الخسائر في صفوف المدنيين، وقد استطعنا أن نحيل بينهم وبين أن يتخذوا من المدنيين دروعا بشرية كما حصل في معركة تحرير الموصل.

اما ما تراه اليوم من دمار كبير حل في المدينة، فجزء منه حصل من جراء تحصن مقاتليهم في المباني ولا يوجد وسيلة لدى الجيش إلا قصفهم في ثكناتهم، لكن ما تشاهده من حرق لمبنى جامعة بنغازي والمستشفيات والدوائر الحكومية وقصفا للجسور وتحطيما للبنى التحتية، فكله من إجرام داعش الإرهابية والرايات السود إما تحصنا فيها أو قطعا لإمدادات الجيش أو تفجيرا متعمدا وإضرارا بالمدينة، وللعلم، فانهم اتبعوا طريقة الاحتلال نفسها، والتدمير بتوطنهم بالمدن القديمة وطمس آثارها ومعالمها كما حصل في الموصل وحلب وإدلب، هم يكرهون كل شيء يرمز للتاريخ، فيعمدوا لتدميره، لكن لله الحمد استطعنا طي صفحة الإرهاب من هنا نهائيا، ولهذا رأيتم بأم عينكم كيف تم بسط الأمن، وقد ذهبتم دون أي حماية من مدينة بنغازي إلى الجبل الأخضر والمدينة البيضاء، ولم تلحظ أي مظهر من مظاهر التسليح أو أي إعاقة غير طبيعية، ونحمد الله أن تم ذلك بتعاون وثيق بين المواطن والأجهزة الأمنية رغم الإمكانات المحدودة.

أما حزنكم حول موضوع تردي الخدمات وانهيار البنى التحتية، فيعزو ذلك لعدة أسباب: أولها أن الخدمات والبنى التحتية للبلاد لم تكن أساسا بمستوى الطموح الذي يتمناه كل مواطن ليبي، وكان هنالك خطة كبيرة للنهوض بها، لكنها توقفت مع أحداث فبراير وتفاقمت مع اجتياح بنغازي من جانب الإرهاب.

والأمر الثاني وما زاد الطين بله هو تعمد حكومة الوفاق المسيطرة على البنك المركزي بعدم ضخ السيولة لعموم البلاد وفقا لما كان معمولا به في النظام المركزي للنظام السابق بخنق المدن التي هي خارج سيطرتها اقتصاديا، وللعلم فإن حصارها لم يمنع الحكومة الليبية المؤقتة من إيجاد منفذ بالاقتراض من البنوك التجارية، حيث إننا نقترض سنويا بحدود عشرة مليار دينار ليبي لتغطية النفقات التشغيلية وتسديد المرتبات!

وهذا الإجراء اللامسؤول من جانب حكومة الوفاق وقع حيفه على جزء كبير من الشعب الليبي، وساهم سلبا في تأخر إعمار البلاد واستئناف برامج التنمية، وهذا الأسلوب التعسفي في التعامل مع الشعوب لم يحدث في العالم أجمع أن تتعمد حكومة تدعي أنها تمثل الشعب لتحاصره في حقه من الثروات والعيش الكريم، ولولا المدخرات الشخصية وبعض الخزين لتحولت المدينة في بادئ الأمر إلى مدينة أشباح ولفتكت الأمراض بأهلها!

إن سؤالكم سيدي هذا في غاية الأهمية لننقل من خلالكم للعالم أجمع معاناة الشعب الليبي المضروب عليه حصار خارجي بتغييب معاناتهم، وحصار داخلي تنفذه حكومة الوفاق، فإذا كان هنالك خلاف سياسي بين حكومتنا وحكومة الوفاق، فما ذنب الشعب ليتحمل ذلك ويدفع فاتورة قاسية جدا من حياته اليومية؟

الثروة الليبية ملك الجميع، ولا يحق لأي جهة أن تتخذ من التجويع والحصار سلاحا لتركيع الآخر، وأتساءل من خلالكم كيف يمكن لشعب أن يثق بمن يسعى لحكمه، وقد مارس التجويع ضده أو مارس الإرهاب، وهما وجهان لعملة واحدة أن يأمل يوما أن يمنحه ثقته وصوته؟

أما تأخر إعمار مدينة بنغازي، فسببه الرئيس الحصار الخانق، وعدم توفر السيولة للبدء برفع الأنقاض وإعادة الإعمار، وللعلم فإن بلادنا غنية، ولسنا بحاجة لمنة أحد، فقط نحتاج إطلاق حصتنا من الميزانية. أما إحجام الأمم المتحدة ومنظماتها في المبادرة في إعمار المدينة التي دمرها الإرهاب، فمن الممكن توجيه السؤال إليهم، فموقفهم من الأزمة الليبية فيه ظلم وتحيز كبير!

 

* يتردد على ألسنة الكثير للمتابعين للمشهد الليبي بأن شرارة ثورة فبراير 2011 انطلقت من بنغازي لتعم جميع أنحائها، واليوم بنغازي هي مأوى وحاضنة لكثير من رموز النظام السابق وبعضهم تم إعادة دمجه في العمل السياسي، فهل الثورة كانت تستهدف النظام أم رأس النظام؟

- نعم فمثلما تفضلتم، فإن شرارة الانتفاضة انطلقت من هنا لتمتد إلى كامل الأراضي الليبية والحقيقة، فقد خرجت الناس بعفوية ولم تعلم مآلات الأمور، ولو علم الناس ما ينتظرهم من فوضى وإرهاب وتشريد وخراب لما فكر أحدهم بأن يخرج على النظام دون توفر البديل الأفضل منه، وهذه مشكلة الربيع العربي التي سيقت له بعض الشعوب العربية التي طالها التغيير كما هو حاصل في سوريا واليمن.

أما بالنسبة للشطر الأول من سؤالكم، فأقولها بصراحة أن الناس خرجت للمطالبة بتحسين الخدمات ومطالب أخرى كلها مشروعة، لكن المناوئين للنظام والإسلاميين ركبوا الموجة واندسوا مع جموع المتظاهرين وحرفوا الانتفاضة عن مسارها، حيث تم عسكرة الانتفاضة وتحويلها إلى مجابهة مسلحة نتجت عنها إسقاط النظام والدولة معا. وللتاريخ نقول إنه في الفترة الأخيرة من حكم الراحل القذافي ونتيجة للضغوطات العالمية التي مورست عليه لمواقفه من بعض الملفات الدولية الساخنة، فقد ركز جهده للحفاظ على النظام وغفل عن الداخل، كذلك تشتت المسؤولية والمحاور داخل البيت الحاكم، وأصبحت البلاد تدار من أكثر من جهة وأدخلت البلاد نتيجة لذلك لاحتقان اجتماعي وسياسي، فضلا عن الآلة الإعلامية الضخمة التي تعرض لها الشعب الليبي. ولقد ارتكب رأس النظام خطأ كبيرا كلفه نظامه وحياته عندما تعنت ولم يفتح قنوات حوار مع الشعب والإنصات لمطالبه عندما خرج عليه في بادئ الأمر بسطاء الناس قبل أن يندس الإسلاميون فيها لتعقد المشهد، والتي كان من الممكن تفهمها وحلها، لكنها إرادة الله، وكما نقول الله غالب.

أما جوابنا على الشطر الثاني من سؤالكم، فأقول: إن رموز النظام السابق لا يوجد لدينا أي تحفظ عليهم طالما لا يوجد بين صفوفهم من هو مطلوب للقضاء وعليه ملفات فساد. فليس من المعقول أبدا أن يتم عزلهم عن المجتمع، فهم لا ذنب لهم فيما حدث من مسيرة نظام شمولي وقبضة حديدية حكمت البلاد طوال أربعة عقود علما أن فيهم نخب وكفاءات يحتاجهم البلد، لذا فقد تم إعادة دمجهم في الحياة، وتم العفو عن رموز النظام السابق ممن برأهم القضاء ولا يوجد أي نص قضائي أو دستوري يمنع عودتهم لوظائفهم ومسؤولياتهم. فامتثلنا لرأي القضاء ورحبنا بعودتهم وإعادة دمجهم في المجتمع.