+A
A-

البحرين .. فسيفساء الأديان .. “البلاد” تسرد حكاية نيوزلندية ضريرة ساندت المقاومة الفلسطينية

تجلس النيوزلندية الضريرة (بريسيلا باليس) وحيدة في منزلها المؤجر على ضفاف شارع البديع، بعد وفاة زوجها قبل ثلاثة أعوام، و(بريسيلا) - والتي تجاوزت الخمسة وثمانين عاماً، تعتاش على مساعدة بعض الأصدقاء، ولولاهم لكانت بخبر كان.

كما أنها بلا أطفال، أو أقرباء، أو معارف يذكرون، لا لها، ولا لزوجها الراحل (أمريكي الجنسية)، ولقد تلقت البلاد تواصلا من السيد (جورج ميتالدون) مشكوراً، والذي أشار الى الحالة الإنسانية المتدهورة للمذكورة، وعلى أثرها قام مندوب الصحيفة بزيارة خاطفة لمسكنها الصغير هناك.

كانت الزيارة عند نحو السادسة والنصف مساء، دخلنا المنزل بمعية السيد جورج، وكانت (بريسيلا) جالسة بالصالة لوحدها، وهي تتناول الشوكولاتة من علبة صغيرة، وقميصها وأًصابعها ملطخة بها، وكأنها طفل صغير.

في تبادلنا الترحيب، وبينما كان (جورج) يتحدث معها، قمت بجوله سريعة للمنزل الصغير، والذي تكدست به الأتربة على كل شيء، كما بدت غرفة مهملة منذ سنوات طويلة، وفي غرفة مكتب زوجها الراحل، بدت الأشرطة، والكتب، وجهاز الحاسوب، وعدد من ملابسه في صناديق كرتونية بإهمال، تعلوها الأتربة.

ولم يختلف المطبخ الصغير بحاله عن بقية الغرف، بل هو أسوأ إن صح التعبير، وعلى جانب المغسلة، بدت مجموعة من الصحون والكؤوس مغسولة بعناية، عرفت بعدها بأن زوجة السيد (جورج) تعرج على مسكن (بريتسيلا) بين الحين والآخر، لتنظف لها من المنزل ما أمكن، خصوصاً بغرفة المعيشة، حيث تتواجد (بريتسيلا) دائماً، والمبطخ.

وقامت (البلاد) بحوار سريع لسرد حالة المذكورة هذا نصه.

ما هو اسمك؟

بريسيلا باليس

كم عمرك؟

أنا 86 سنة

البلاد موجهة حديثها لجورج: ما قصتها؟

جورج متحدثاً: كان زوجها (بول) يعمل كمستشار لدي، بينما كان استاذاً في الأدب الإنجليزي في الكلية الجامعية بالبحرين (قسم اللغة الإنجليزية)، وقد سبق ذلك عمله في الكويت منذ العام 1968 لتعليم اللغة الإنجليزية، وبالجامعة التي بنيت هناك حديثا في ذاك الوقت.

بريسيلا تتحدث: تزوجنا في لندن ثم جلبني زوجي (بول) من إنجلترا إلى الكويت العام 1970، ثم جئنا إلى البحرين العام 1982.

حدثني (جورج) بأنك من المناصرين لعدالة القضية الفلسطينية؟

بكل تأكيد أنا كذلك، أضف أنه كان هناك الكثير من الأكاذيب في وسائل الإعلام الغربية حول المواقف العربية كلها بذلك الوقت، وكنت أشاهد في عيني ما يجري من خديعة للجمهور الأوروبي والأمريكي، خصوصاً في ظل غياب لشبكة الإنترنت، والبرامج الذكية.

لقد تلقى فلسطيني ذات مرة في الجامعة رسالة من أمريكي لم يعرفه من قبل، وكتب لهم نحن نؤمن بأننا لا نحصل على الحقيقة في وسائل الإعلام، هل يمكن أن تخبرنا بالضبط ماذا يحدث “فلم يعرف الفلسطيني كيفية التعامل مع ذلك إعلامياً، فذهب إلى زوجي بول، وقال: كيف أجيب على ذلك؟ هل يمكن أن تجيب على ذلك بالنسبة لي؟ وقال بول سأكلف زوجتي بذلك.

تولدت لدي حينها فكرة لإصدار مجلة، مع كتابة عمود صحفي عن وسائل الإعلام الكاذبة “البرجوباندا” “عن ثورات فلسطين” وعمود إلى جانبه عن الحقيقة وما يجري حقا، واعتقدت أن ذلك سيهز الغرب، وفعلاً هذا الذي حدث، وكان شريكي يعطيني المعلومات ومن خلاله تعلمت الكثير عن فلسطين، وهو (عدنان شرابي)، والذي كان يطلعني على ما يجري هنالك، وكنت ملمة بالأمور من خلاله، وكأنني أقطن في حيفا بفلسطين.

وماذا عن يومياتك في البحرين؟

عندما وصلنا البحرين كنا نعيش في المنازل السويدية، وكانت مغلقة، لا تهوية بها، وكان (بول) يحب العمل في الليل، وكان يدخن كثيرا، ولذلك أصبت بمرض الحساسية في عيني، والذي أفقدني فيما بعد النظر.

لم أتمكن من العمل لأن (بول) كان بحاجة إلى رعاية خاصة، حيث قضى 25 عاما في العمل في الجامعات في البحرين، ثم تقاعد، ومن ثم استثمر أموال تقاعده في مقهى للإنترنت، والذي كان الأول من نوعه في البحرين العام 1995 وكان قائما لمدة 4 سنوات، ولكن للأسف مع الوقت ومع المنافسة، وبعد توفير شركات الاتصالات الإنترنت في المنازل! خسرنا خسارة كبيرة.

فقد (بول) كل أمواله، ولم يكن هناك أي مبلغ من المال المتبقي للعيش أيضاً، وقد كان يعيش على مساعدات من الأمن القومي من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأنه مواطن أمريكي، ولكنني ولسبب (آيديولوجي) لم أصبح مواطنة أمريكية، حتى عندما مات (زوجي).

جورج متحدثاً: توفي (بول) في العام 2014 ، بعد معاناه مع مرض عضال ألمَّ به منذ يناير 2006 وقضى السنوات التسع الأخيرة من عمره في العناية المركزة بالسلمانية، حيث وفرت له حكومة البحرين العلاج طوال هذه الفترة مجاناً، كما كانت زوجته تحرص على زيارته بشكل يومي، رغم الجهد الكبير الذي كانت تبذله لتنقلها.

متى آخر مرة كنتِ قادرة على مشاهدة التلفزيون؟

منذ أربع سنوات تقريباً.

كيف أنتِ قادرة على التكفل بمصاريف الحياة بعد وفاة زوجك؟

في السابق كنت أعيش على الأموال التي وفرتها أمي بنيوزلندا، وقد أنفقت الكثير منه، ولم يتبق شيء.

ماذا عن عائلتك؟

ليس لدي عائلة، لا إخوة، ولا أخوات، وليس لدي أطفال، لدي ابن عم وحيد، توفي منذ فترة طويلة، ولكن لدى (بول) أربع بنات من زواجه الأول، لكنهن لا يبالين بي، أو يسألن عني.

ما شعورك تجاه البحرين؟

أحب البحرين كثيراً، ولا يمكنني أنسى تعامل شعبها الطيب معي ومع زوجي الراحل طوال السنوات الماضية، وكذلك كرم حكومة البحرين بالتكفل بعلاجه لتسع سنوات متتالية، وبالمجان.

جورج متحدثاً: لقد دعيتها مراراً بأن تذهب إلى نيوزيلندا، حيث ستحصل هنالك على مكان للعيش والراحة، مع رعاية من الحكومة ومعاش تقاعدي، لكنها ترفض باستمرار، وتصر على البقاء هنا، ونحن في قلق شديد عليها؛ نظراً لحالتها الصحية المتدهورة، وكبر سنها، وبقائها وحيدة بهذا المكان، ونأمل من الدولة أن توجد مخرجاً لحالة (بريستيلا)، فإما أن توضع بدار للمسنين، أو ترحل لبلادها.