العدد 5684
الثلاثاء 07 مايو 2024
banner
جناية السياسة على الاقتصاد.. نعمت شفيق نموذجاً
الثلاثاء 07 مايو 2024

دون أن تقصد أشعلت الدكتورة نعمت شفيق أو مينوش رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الطلاب في 33 جامعة من أكبر الجامعات الأميركية، وفي العديد من جامعات أوروبا أيضا تأييدا للفلسطينيين، حين قامت باستدعاء الشرطة للقبض على الطلاب المتظاهرين المطالبين بإيقاف الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة.

نعمت شفيق التي ولدت في الإسكندرية عام 1962 كانت نموذجاً للمصري الناجح في الغرب، وصلت إلى منصب نائب رئيس البنك الدولي وعمرها ٣٦ عاما فقط لتكون أصغر من تولى هذا المنصب، كما عملت نائبا لمدير صندوق النقد الدولي، ونائبا لمحافظ البنك المركزي الإنجليزي، ومنحتها الملكة إليزابيث الثانية لقب بارونة يحق لها حضور جلسات مجلس اللوردات الإنجليزي. كل ذلك جعل منها شخصية اقتصادية استثنائية قالت عنها كرستين لاجارد المدير السابق لصندوق النقد الدولي: إنها مزيج دقيق من الشرق والغرب، فهي مصرية مثلما هي أوروبية وأميركية، وهي تدعم الآخرين، خصوصا النساء، كما أنها لا تصبر على تصرفات الحمقى، ولكنها تمنح الفرصة للجميع. نجحت مينوش في الاقتصاد نجاحا باهرا وأثبتت جدارة وحزما في كل المناصب الرفيعة التي تولتها، ومنذ عام تم اختيارها رئيسا لجامعة كولومبيا لتجد نفسها كأول سيدة تتولى هذا المنصب في قلب السياسة الفوار بعواصف لا تهدأ إلا لتشتعل، دائما هناك نار تحت الرماد. في الاقتصاد تبدو الأمور على صعوبتها يمكن ضبطها، فالأرقام التي تتحدث عن النمو أو الركود مثلاً أرقام واضحة صريحة ليس لها غير معنى واحد يفهمه كل ذي عقل، أما في السياسة فالأرقام لها معان وحسابات أخرى عديدة، فإذا كان الواحد في الاقتصاد يعني شيئا محددا فإن الواحد في السياسة يختلف، فهناك دولة واحدة تساوي عشرات الدول وربما أكثر، الأرقام في لعبة السياسة ليست واضحة تماماً، تلك كانت أزمة الدكتورة مينوش أو بالأصح جناية السياسة على الاقتصاد.

التفكير الاقتصادي أو العملي يبين أنها أرادت أن تتجنب مصير رئيسة جامعة هارفارد التي أيدت حق الطلاب في التظاهر ضد الحرب الإسرائيلية فتم إجبارها على الاستقالة، لذلك استدعت الشرطة لدخول الحرم الجامعي والقبض على المتظاهرين دون أن تتنبه إلى الاعتداء الصارخ على الحياة الأكاديمية وحرية الطلاب في التظاهر السلمي، تلك الحرية التي تحرص عليها حتى دول العالم الثالث فما بالك بمن تدعي أنها زعيمة العالم الحر.
اشتعلت النار فى الهشيم، وكان اليوم عاصفا فحملت الريح شرارة الغضب إلى معظم الجامعات تضامناً مع طلاب جامعة كولومبيا بعد القبض عليهم، وفي الكونجرس تعرضت لهجوم عنيف، الحزب الجمهوري قال إن ما فعلته لا يكفي! بينما قالت النائبة إيلان عمر من الحزب الديمقراطي: إن ما قامت به يخالف كل الأعراف الديمقراطية عن الحياة السياسية والأكاديمية، وإنها أهانت الجامعة باستدعاء الشرطة. أما مجلس إدارة جامعة كولومبيا فأصدر قرارا بأن إدارتها قوضت الحرية الأكاديمية وتجاهلت حقوق الطلاب في التظاهر السلمي. لتصبح نعمت شفيق بين يوم وليلة في عين العاصفة وتغدو النموذج الحي على مدى جناية السياسة على عقلية اقتصادية استثنائية.

مدير تحرير "الأهرام"

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .