العدد 5684
الثلاثاء 07 مايو 2024
banner
السقوط إلى الأعلى
الثلاثاء 07 مايو 2024

ما إن يقرأ كتاباً حتى يظن نفسه عالماً بين جُهال، وما إن ينال شهادة في تخصص ما حتى يحسب أنه الأذكى والأنجح من بين خلق الله، وإن أتقن لغة أخرى رأيته يتشدق بها استرعاءً لانتباه الآخرين الذين لا يتقنونها، سخريةً واستعلاء، وحين يتبحر في علوم الدين يظن نفسه نبياً بعد رسول الله، إذ لا نبي بعده.. حين يملك ثروة فجأة ويصبح حديث نعمة، يترفع عن لقائك والحديث معك، والجلوس في مجالس العامة من الناس، والارتباط بهم بعلاقات نسب.

ذوو الدماء الزرقاء الذين يملؤهم الغرور والعُجب، يظنون أنفسهم شعب الله المختار، في حين أن الكِبر لا يليق أبداً بالبشر الذين خلقوا من طين، أصلهم واحد، ويرجعون لذات الأب والأم. إن مما يزيد المتكبر قبحاً كونه حظي بالنعمة التي يتفاخر بها البارحة، وقد كان صفراً أول الأمس، فمشى بين الناس الخُيلاء، وصدق أنه الأهم بين الجميع، فهو صاحب المال والسمعة والصيت والشهادات العليا، وغيره الذين قطعوا طريقا طويلة جدا في الكد والعمل والمثابرة، حتى أصبحوا قامات يشار لها بالبنان، لم تعترهم ذرةٌ من كِبر ولم يغتروا بما وهبهم الله، وتواضعوا له فرفعهم. زرق الدماء يزدرونك ويسفهونك ويتعالون عليك، ويطردونك في مواقع السلطة، وينأون بجانبهم عنك، ويترفعون عن السلام عليك والحديث معك، ولم يصنعوا المجد لأنفسهم دون عون الله وفضل منه وحده.


إن كانوا يمسكون منصباً في الدولة، فهذا ليس تشريفاً بل تكليفاً، وهم أمام الله مسؤولون في الآخرة، فكلهم راعٍ وكلهم مسؤول عن رعيته، وإن كان معلماً أو أستاذاً بالجامعة، فليتق الله حين يتأمر ويتنمر ويمارس سلطته، بما لا يرضي الله، على طلبته؛ فالله هو القاهر فوق عباده والشاهد على أفعاله. كلما ارتفع هؤلاء بدوا أصغر شأناً بعنجهيتهم وغرورهم ورغبتهم بالتميز على الآخرين الذين يعتبرونهم الدهماء، ويعتبرون أنفسهم من علية القوم، وسواد الناس تراهم كالواقف على قمة الجبل يرى الناس صغاراً ويرونه صغيرا، فهو ساقط في أعين الجميع ويحسب نفسه عالي المقام.

كاتبة بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية